الرئيسية/شروحات الكتب/الدين الحق/(3) الفصل الأول: معرفة الله الخالق العظيم (وتتمة براهين معرفة الله تعالى)

(3) الفصل الأول: معرفة الله الخالق العظيم (وتتمة براهين معرفة الله تعالى)

القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ ارحمْنا وشيخَنا والحاضرينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ حمَّادٍ العمرُ -رحمَهُ اللهُ تعالى-.

الشيخ: رحمَه اللهُ، رحمَه الله.

القارئ: في كتابِهِ: "دينِ الحقِّ":

البرهانُ الخامسُ: النَّومُ والرُّؤيا الصَّادقةُ:

الَّتي يُطْلعُ اللهُ سبحانَهُ فيها النَّائمَ على شيءٍ مِن الغيبِ بشارةً أو إنذارًا.

البرهانُ السَّادسُ: الرُّوحُ:

الَّتي لا يَعرفُ حقيقتَها إلَّا اللهُ وحدَهُ.

البرهانُ السَّابعُ: الإنسانُ:

وما في جسمِهِ مِن الحواسِ، والجهازِ العصبيِّ، والمخِّ، والجهازِ الهضميِّ، وغيرِ ذلكَ.

البرهانُ الثَّامنُ: ...

الشيخ: قلْتُ فيما مضى: إنَّ كلَّ هذهِ البراهين تعودُ إلى البرهانِ الأوَّلِ، وهو الاستدلالُ بالخلقِ على وجودِ الخالقِ وقدرتِهِ وحكمتِه، فكلُّها ممَّا يعرفُ به العبدُ ربَّه، فهذهِ البراهينُ فرعٌ عن الأوَّلِ وهي مندرجةٌ فيه، ولكن كانَ الشَّيخُ قصدَ التَّفصيلَ والتَّنبيهَ على هذه بخصوصِها، وجعلَ من هذه البراهينِ مسألةَ المنامِ وما يراهُ الإنسانُ في نومِه، هذا ليسَ إلى الإنسانِ واختياره وإرادته، بل اللهُ يُري الإنسانَ في منامِه أمورًا تتحقَّقُ؛ إمَّا بشارةً وإمَّا نذارةً والرُّؤيةُ ثلاثةُ أنواعٍ: هي رؤيا من اللهِ، وذلك بواسطةِ الملكِ يضربُ للنَّائم أمثالًا لما أرادَ اللهُ كونَه، أو من حديثِ النَّفسِ وهو ما يفكِّرُ فيه الإنسانُ من أمورِ حياتِه يرى له صورًا في منامه، وإمَّا حُلمًا من الشَّيطانِ ليُحزنَ المؤمنُ تحزين من الشَّيطان، فهذه أقسامُ المناماتِ، فالشَّيخُ جعلَ الرُّؤيا الصَّالحةِ هيَ من البراهينِ على ربوبيَّتِه سبحانَه وتعالى فإنَّها يحصلُ لها كشفٌ لبعضِ أمورٍ مستقَبَلةٍ. نعم. البرهانُ السَّادسُ...

 

القارئ: قالَ: الرُّوحُ: الَّتي لا يَعرفُ حقيقتَها إلَّا اللهَ وحدَهُ.

الشيخ: نعم هذا أيضًا من البراهينِ وجودُ اللهِ وقدرتُه وحكمتُه، الرُّوحُ، هذه الرُّوحُ مخلوقٌ من مخلوقاتِ اللهِ، خفي، وهي فينا الرُّوح الَّتي فينا في أبدانِنا، ومعَ ذلك لا نعلمُ حقيقةً، ولها من الأحوالِ والتَّصرُّفات الأمور العجيبة، فهي الَّتي تفيضُ على بدنِ الإنسانِ الحسَّ والحركةَ، الرُّوحُ هي مصدرُ الحسِّ والحركةِ في البدنِ، فالبدنُ إذا خلا عن الرُّوحِ فلا حسَّ وحركة، فهي قوامُ البدنِ، فهي من أعظمِ آياتِ اللهِ، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا  [الإسراء:85]، وقد أخبرَ الرَّسولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن مبدأ الرُّوحِ في الإنسانِ وأنَّها بواسطةِ الملَكِ: فينفخُ فيهِ الرُّوحَ في الطَّورِ الأخيرِ من أطوارِ الجنينِ ينفخُ فيهِ الرُّوحَ  يعني فيكونُ مستعدًّا للحسِّ والحركةِ. نعم قالَ: الرُّوح..، أعدْ..

 

القارئ: قالَ: الرُّوحُ: الَّتي لا يَعرفُ حقيقتَها إلَّا اللهُ وحدَهُ.

البرهانُ السَّابعُ: الإنسانُ:

وما في جسمِهِ مِن الحواسِ، والجهازِ العصبيِّ، والمخِّ، والجهازِ الهضميِّ، وغيرِ ذلكَ.

الشيخ: هذا أيضًا البرهانُ السَّابعُ، السَّادسُ يتعلَّقُ بالرُّوحِ، والأخيرُ يتعلَّقُ بالجسدِ، إذًا فكلٌّ منهما من شأنِ الإنسانِ، فالإنسانُ آيةٌ من آياتِ اللهِ، بل الإنسانُ آياتٌ، قالَ اللهُ: وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ  [الذاريات:20-21]، فنبَّهَ إلى ما في الأرضِ من الآياتِ من الجبالِ والأنهارِ والأشجارِ والأشياءِ المختلفةِ في ظاهرِ الأرضِ وباطنِها، ثمَّ نبَّهَ إلى ما في النُّفوسِ {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، وهذا يشملُ ما في الرُّوح من الدَّلالة وما في البدنِ من الدَّلالةِ، والبدنُ فيهِ العجبُ العجابُ! آياتُه ظاهرةٌ، الآياتُ الَّتي في البدنِ ظاهرةٌ، منها ما هو ظاهرٌ لعمومِ النَّاس، ومنها ما هو ظاهرٌ لأصحابِ التَّخصُّصاتِ من أصحابِ التَّشريحِ وأصحابِ الطِّبِّ، سبحانَ الله العظيم.

ماذا في الإنسانِ من هذا الكيانِ الهائلِ من الآياتِ والدَّلالاتِ في باطنِها وفي ظاهرِه، الأجهزةُ الخفيَّةُ، يقولُ المتخصِّصونَ: إنَّ طعامَ الإنسانِ تتعلَّقُ به ثلاثُ قوىً: القوى الطَّالبة الَّتي بها يشتهي بها الطَّعام ويجوع، والقوَّةُ الهاضمةُ الَّتي ينهضمُ بها الطَّعامُ ويسلكُ بها مسالكَه في البدنِ، والقوَّةُ المانعةُ الَّتي تمنعُ انسلالَه من البدنِ فورَ وقوعِه في المعدةِ. والقوَّةُ الرَّابعةُ الدَّافعةُ الَّتي تدفعُ الفضلاتِ فيتخلَّصُ منها البدنُ، هذه أربعٌ من القوى المتعلِّقةِ بما يأكلُه الإنسانُ: طالبةٌ وهاضمةٌ ومانعةٌ ودافعةٌ.

ذكرَ ذلك ابنُ القيِّمِ لعلَّه حولَ في كلامِهِ على وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ  وتكلَّمَ كلامًا كثيرًا في هذا الشَّأنِ ونبَّهَ على آياتٍ كثيرةٍ في بدنِ الإنسانِ، من ذلكَ الشُّعورُ، الشَّعرُ الَّذي ينبتُ في بدنِ الإنسانِ، كيف كانَ توزيعُه سبحان الله! موزَّعٌ، فللرَّأسِ منه نصيبٌ أوفرُ، ثمَّ...، ما الَّذي فرَّقَ جفونَ العينِ ينبتُ في أطرافِها الشَّعرُ لحكمةٍ، ما الَّذي أنبتَهُ هنا ولم ينبتْ فيما تحتَ أو فوقَ، فشعرٌ لحمايةِ العينِ، وشعرٌ لجمالِ الإنسانِ، وشعرٌ وشعرٌ، فهذا كلُّه ممَّا يتعلَّقُ أو يدخلُ في عمومِ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ .

 

القارئ:

البرهانُ الثَّامنُ: يُنزِّلُ اللهُ المطرَ على الأرضِ الميِّتةِ:

فتنبتُ النَّباتَ والأشجارَ المختلفةَ في أشكالِها وألوانِها، ومنافعِها وطعمِها، وهذا قليلٌ مِن مئاتِ البراهينِ الَّتي ذكرَها اللهُ تعالى في القرآنِ، والَّتي أخبرَ أنَّها أدلَّةٌ قائمةٌ تدلُّ على وجودِهِ سبحانَهُ وعلى أنَّهُ الخالقُ المدبِّرُ لجميعِ الكائناتِ.

الشيخ: هذا يؤكِّدُ ما سبقَ أنَّ كلَّ هذهِ البراهينِ راجعةٌ إلى البرهانِ الأوَّل، وهو الاستدلالُ بالخلق على الخالقِ، ومن ذلك آيةُ المطرِ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ  [فصلت:39]، فالأرضُ القاحلةُ الميِّتةُ المغبرَّةُ ينزلُ عليها المطرُ فتبتهجُ وتكتسي بأنواعِ النَّباتِ، أنواعٌ، أنواعُ النَّباتِ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ ، فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ  [المؤمنون:19]، والتَّنبيهُ على هذا في القرآنِ كثيرٌ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  [النحل:10-11]، فالشَّأنُ في التَّفكُّرِ والعقلِ.

 

القارئ:

البرهانُ التَّاسعُ: الفِطرةُ الَّتي فطرَ اللهُ النَّاسَ عليها:

تؤمنُ بوجودِ اللهِ خالقِها ومدبِّرِها، ومَن أنكرَ ذلكَ فإنَّما يُغالِطُ نفسَهُ ويُشقيها، فالشُّيوعيُّ مثلًا يعيشُ في هذهِ الحياةِ تَعِسًا، ومصيرُهُ بعدَ الموتِ إلى النَّارِ، جزاءَ تكذيبِهِ بربِّهِ الَّذي خلقَهُ مِن العدمِ، وربَّاهُ بالنِّعَمِ إلَّا إنْ تابَ إلى اللهِ وآمنَ بهِ وبدينِهِ ورسولِهِ.

الشيخ: البرهانُ التَّاسعُ الفطرةُ، الَّتي فُطِرَ عليها الإنسانُ، فالإنسانُ مفطورٌ ومركوزٌ في فطرتِه وعقلِه أنَّه لابدَّ له من خالقٍ، لا يمكن، وإذا استعملَ فكرَه وفطرتَه إلَّا أنْ يقرَّ بأنَّ له خالقٌ، فلو قيلَ له إنَّك لسْتَ بشيءٍ بل أنتَ ليسَ لك خالقٌ ولا مبدِعٌ لم تقبلْ فطرتُه بذلك، ولهذا الشَّيخُ مثَّلَ بالشُّيوعيِّ الجاحدِ المنكِرِ للخالقِ الملحِدِ أعظمَ إلحادٍ، يعيشُ في هذهِ الحياةِ حياة الشَّقاء لأنَّه لا يعرفُ من أينَ جاءَ ولا إلى أينَ يذهبُ، فلا يقرُّ بمبدأٍ ولا معادٍ ومن كانَتْ هذه حالُه كانَ في دنياه في شقاءٍ عظيمٍ، في تفكيرِه وفي علمِه وفي عقلِه، فالرُّسلُ عرَّفُوا العبادَ بمبدئِهم ونهايتِهم وبمصيرِهم ومن لا يؤمنُ بالرُّسلِ ولم يتَّبعْ ما جاؤُوا به لا يعرفُ مبدأً ولا معادًا ولا...، فهو في حيرةٍ في هذه الحياةِ في حيرةٍ من أمرِه.

 

القارئ:

البرهانُ العاشرُ: البركةُ:

وهيَ التَّكاثُرُ في بعضِ المخلوقاتِ كالغنمِ، وعكسُ البركةِ الفشلُ كما في الكلابِ والقططِ.

الشيخ: سبحانَ اللهِ، اللهُ تعالى نوَّعَ المخلوقاتِ وفاوتَ بينَها في الطِّباعِ، فالشَّيخُ كأنَّه ينبِّهُ إلى أنَّ من المخلوقات ما جعلَ اللهُ فيه صفةَ النُّموِ والتَّكاثُرِ والنَّفعِ، ومثَّلَ بالغنمِ فهي نوعٌ من أنواعِ الحيوانِ من شأنِه أنَّه يتكاثرُ وينمو بكثرةِ المواليدِ، وفيها منافعُ عظيمةٌ ينتفعُ العبادُ بأكلِها وشربِ لبنِها وبجلودها وصوفِها ففيها بركةٌ في ذاتها وفي منافعِها فهي من [....].

وأنواعٌ أخرى من المخلوقاتِ ليس فيها ذلكَ ليسَ فيها منافعُ وليسَتْ تتكاثرُ هذا التَّكاثرَ، وأشياءُ أخرى، فيه [يوجد] مخلوقات تتكاثرُ تكاثرًا هائلًا وإنْ لم يكنْ فيها منافعُ، مثل المخلوقات الدَّقيقة الصَّغيرة، مثل النَّمل ونحوها، تتكاثرُ كثرةً هائلةً، فكأنَّ هذا البرهانَ يدورُ على تنويعِ اللهِ للمخلوقاتِ، فاللهُ نوَّعَ المخلوقاتِ ونوَّعَ طباعَها، فلكلِّ نوعٍ من الحيوانِ له طبيعةٌ وله آثارٌ وله منافعُ أو مضارٌّ، وخلقَ الأضدادَ أيضًا، لعلَّ الشَّيخَ سيذكرُه خَلْقُ الأضدادِ في الحيوانِ وفي غيرِه. انتهى العاشرُ؟

القارئ: نعم

الشيخ: حسبُكَ.