الشيخ: الدِّينُ الحقُّ يا أبو فصيل، اللهُ يهدينا وإيَّاكم للدِّينِ الحقِّ، اللَّهمَّ اهدِنا وثبِّتْنا على الإسلامِ.
القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا وللحاضرينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ حمَّادٍ العمرُ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الدِّينِ الحقِّ":
خامسًا: في التَّكافُلِ والتَّعاونِ الاجتماعيِّ:
أمرَ اللهُ المسلمينَ بالتَّعاونِ فيما بينَهم مادِّيًّا ومعنويًّا، كما تقدَّمَ بيانُ ذلكَ في بابِ الزَّكاةِ والصَّدقاتِ، وحرَّمَ اللهُ تعالى على المسلمِ أنْ يؤذيَ النَّاسَ بأيِّ نوعٍ مِن أنواعِ الأذى، حتَّى الأذى في الطَّريقِ حرَّمَهُ اللهُ، وأمرَ المسلمَ أنْ يزيلَهُ إذا رآهُ ولو كانَ الَّذي وضعَهُ غيرُهُ، ووعدَهُ الأجرَ على ذلكَ، كما توعَّدَ المؤذيَ بالعقابِ.
وفرضَ اللهُ على المؤمنِ أنْ يحبَّ لأخيهِ كما يحبُّ لنفسِهِ، ويكرهُ لهُ ما يكرهُ لنفسِهِ قالَ اللهُ تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وقالَ تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] قالَ تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114].
وقالَ الرَّسولُ محمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يحبَّ لأخيهِ ما يحبُّ لنفسِهِ، رواهُ مسلمٌ، وقالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خطبتِهِ العظيمةِ الَّتي ألقاها في آخرِ حياتِهِ في حجَّةِ الوداعِ، مؤكِّدًا بها ما أمرَ بهِ مِن قبلُ: يا أيُّها النَّاسُ إنَّ ربَّكم واحدٌ، وأباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا أسودَ على أحمرَ، ولا أحمرَ على أسودَ إلَّا بالتَّقوى، أبلَّغْتُ؟ قالُوا: بلَّغَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقالَ أيضًا : إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومِكم هذا في شهرِكم هذا، وفي بلدِكم هذا، ألا هل بلَّغْتُ؟ قالُوا: نعم، فرفعَ أصبعَهُ إلى السَّماءِ، وقالَ: اللَّهمَّ اشهدْ.
سادسًا: في السِّياسةِ الدَّاخليَّةِ:
أمرَ اللهُ المسلمينَ أنْ يُولُّوا على أنفسِهم إمامًا يُبايعونَهُ بالإمارةِ، وأمرَهم أنْ يجتمعُوا ولا يتفرَّقوا فيكونُوا أمَّةً واحدةً، وأمرَهم اللهُ بطاعةِ إمامِهم وأمرائِهم إلَّا إذا أمرُوا بمعصيةِ اللهِ، فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ.
وأمرَ اللهُ المسلمَ -إذا كانَ في بلدٍ لا يقدرُ فيها على إظهارِ دينِ الإسلامِ والدَّعوةِ إليهِ- أنْ يهاجرَ منها إلى بلادِ الإسلامِ، وهيَ الَّتي يُحكَمُ فيها في جميعِ الأمورِ بالشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، ويحكمُها إمامٌ مسلمٌ بما أنزلَ اللهُ.
[حفظ الأمن في الإسلام]
وفي العملِ بشريعةِ اللهِ، وإقامةِ حدودِهِ استتبابُ الأمنِ واستقامةُ النَّاسِ، وحقنُ دمائِهم وسلامةُ أعراضِهم وأموالِهم، والخيرُ كلُّهُ، كما أنَّ في العدولِ عنها الشَّرَّ كلَّهُ.
[حفظ العقل في الإسلام]
وحمى اللهُ تعالى العقولَ: بتحريمِ المسكراتِ والمخدِّراتِ والمفتراتِ، وجعلَ حدًّا لشاربِ المسكرِ، وهوَ الجلدُ مِن 40 - 80 جلدةً كلَّما فعلَ ذلكَ ردعًا لهُ وصيانةً لعقلِهِ، وحمايةً للنَّاسِ مِن شرِّهِ.
[حفظ الدماء والأعراض في الإسلام]
وحمى دماءَ المسلمينَ: بالقصاصِ مِن المعتدي بغيرِ حقٍّ، فيُقتَلُ القاتلُ، وشرعَ في الجروحِ القصاصَ، كما شرعَ للمسلمِ الدِّفاعَ عن نفسِهِ وعرضِهِ ومالِهِ، قالَ اللهُ تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:179]، وقالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَن قُتِلَ دونَ نفسِهِ فهوَ شهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ أهلِهِ فهوَ شهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ مالِهِ فهوَ شهيدٌ.
وحمى اللهُ أعراضَ المسلمينَ: بما شرعَهُ مِن تحريمِ التَّكلُّمِ في غَيبةِ المسلمِ بكلامٍ يكرهُهُ إلَّا بحقٍّ، وبما شرعَ مِن حدِّ القاذفِ الَّذي يرمي المسلمَ بالجريمةِ الخُلُقيَّةِ مثلَ الزِّنى واللِّواطِ دونَ أنْ يثبتَ ذلكَ إثباتًا شرعيًّا.
وحمى اللهُ الأنسابَ مِن الاختلاطِ غيرِ المشروعِ، وحمى الأعراضَ أنْ تُدنَّسَ بالجريمةِ الخلقيَّةِ بتحريمِ الزِّنى تحريمًا كبيرًا واعتبارِهِ مِن أكبرِ الكبائرِ، وجعلَ عقوبةً رادعةً على فاعلِهِ إذا توافرَتْ شروطُ إقامةِ حدِّ الزِّنى عليهِ.
وحمى اللهُ الأموالَ: بتحريمِ السَّرقةِ والغشِّ والقمارِ والرَّشوةِ وغيرِ ذلكَ مِن المكاسبِ المحرَّمةِ، وبما شرعَهُ مِن عقوبةِ السَّارقِ وقاطعِ الطَّريقِ العقوبةَ الرَّادعةَ، وهيَ القطعُ إذا توافرَتْ شروطُهُ أو عقابُهُ بما يردعُهُ إذا لم تتوافرِ الشُّروطُ معَ ثبوتِ السَّرقةِ.
والَّذي شرعَ هذهِ الحدودَ هوَ اللهُ العليمُ الحكيمُ، وهوَ أعلمُ بما يصلحُ أحوالَ خلقِهِ، وهوَ بهم أرحمُ، وقد جعلَ هذهِ الحدودَ كفَّارةً لذنوبِ المجرمينَ مِن المسلمينَ، وحمايةً للمجتمعِ مِن شرِّهم وشرِّ غيرِهم، والَّذينَ يعيبونَ قتلَ القاتلِ وقطعَ يدِ السَّارقِ مِن أعداءِ الإسلامِ وأدعيائِهِ إنَّما يعيبونَ قطعَ عضوٍ مريضٍ فاسدٍ إذا لم يُقطَعْ سرى فسادُهُ في المجتمعِ بأسرِهِ وفي الوقتِ نفسِهِ يستحسنونَ قتلَ الأبرياءِ مِن أجلِ أغراضِهم الظَّالمةِ.
سابعًا: في السِّياسةِ الخارجيَّةِ: ...
الشيخ: حسبُكَ، رحمَ اللهُ الشَّيخَ وتغمَّدَهُ بالرَّحمةِ فقد نبَّهَ إلى حكمةِ الشَّريعةِ المنزلةِ من الحكيمِ العليمِ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:2] فشريعةُ الإسلامِ بما تضمَّنَتْهُ فيها غايةُ الخيرِ وتحقيقُ المصالحِ ودرءُ المفاسدِ، وفي الحكمِ بغيرِها نشرُ الشَّرِّ والفسادِ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [المائدة:50] فحكمُ اللهِ هو أحسنُ الأحكامِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] لكن لا يُحكِّمُ أحكامَ اللهِ إلَّا الموقنون بهِ المؤمنون به المؤمنون بحكمتِه الرَّاضون عن تشريعِه، فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ففي إقامةِ شريعةِ اللهِ سعادةُ الدُّنيا والآخرةِ وصلاحُ الدُّنيا والآخرةِ، وفي مجانبتِها الشَّقاءُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي [طه:124]، قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى [طه:123]، قالَ ابنُ عبَّاسٍ: تكفَّلَ اللهُ لمن قرأَ القرآنَ وعملَ لهُ أنْ لا يضلَّ في الدُّنيا ولا يشقى في الآخرةِ.