■المباحث والإختيارات
■المختارات

التوحيد سَبَبٌ مقتضٍ لدخول الجنَّة والنَّجاة من النَّار، وكلُّ سببٍ شرعيٍّ أو كونيٍّ فإنَّه يَتَوقَّف تأثيرُه وحصولُ مقتضاه على وجود الشروط وانتفاء الموانع، فمتى فُقِدَ الشَّرطُ أو وُجِدَ المانِعُ لم يعمل السببُ عَمَلَه، ولم يتحقق مقتضاه .
حديث: مَن صلَّى البَردَينِ دَخَلَ الجَنَّةَ وحديث: إن لله تسعةً وتسعينَ اسمًا، مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة : يظن بعضُ النَّاس أنَّه بمجرَّد قيامِه بعملٍ من هذه الأعمال أنه يدخل الجنة، أو تكون له حجابًا من النار، ولو اقترف من الذنوب والمعاصي ما اقترف، ولا شك أن هذا فهمٌ خاطئٌ لهذه النصوص.
فنصوص الوعد ضَلَّ بها المرجئة، وضَلَّ بها أيضًا جهلة العصاة من أهل السنَّة، فأخطؤوا في الفهم، ولَبَّس عليهم الشيطان، وزَيَّنَ لهم أن ما يقومون به من أعمال صالحة أنها تَعصِمُهم من الوعيد المرَّتب على معاصيهم .
كثيرٌ من عصاة أهل السنة -ممن لا يقولون أو يعتقدون أو حتى يعرفون مذهب المرجئة في الإيمان- إذا سمعوا أحاديث الوعد ألقى الشيطان في نفوسهم التهاون بالمعاصي، وفهموا من ذلك أن معاصيهم لا تضرهم، وأن توحيدهم يمنعهم من العذاب، ويوجب لهم دخول الجنة، وهذا ولا شك جهلٌ واغترارٌ؛ جهلٌ بالمراد من هذه النصوص، واغترارٌ برحمة الله ومغفرته .
نهى النبي صلى الله عليه وسلم معاذًَا من أن يُحَدِّثَ الناس بحديث: حق العباد على الله الا يعذب من لا يشرك به شيئًا ؛ لئلا يتكلوا على هذا الوعد ويتركوا العمل؛ اعتِمَادًا عَلَى مَا يَتَبَادَر مِن ظَاهِر الحديث ولا ريب أن المراد بـ "النَّاسِ" هنا: الناس الذين لا يحسنون فهم هذا الحديث، وفي هذا فضيلة لمعاذٍ رضي الله عنه، وشهادةٌ له بأنَّه ممن يحسن الفهم عن الله ورسوله؛ ولهذا خَصَّه النبي صلى الله عليه وسلم بالتحديث بهذا الأمر، ونهاه عن أن يُحَدِّثَ به عمومَ النَّاسِ .
الذي يقول بلسانه "لا إله إلا الله" من غير علمٍ بمعناها، ولا يقينٍ بمقتضاها هو في الحقيقة لم يتحقَّق بحقيقة هذه الشهادة، إنما هو يقول هذه الكلمة بلسانه فقط، وليس هذا هو المطلوب من العبد في هذا الأصل العظيم، وليس هذا أيضًا هو الذي رُتِّبَ عليه الوعد من دخول الجنة، والنجاة من النار، فهذا الوعد العظيم ليس مرتبًا على مجرد النطق بها مع الإتيان بكلِّ أو ببعضِ ما يَنْقُضُها .
عرض بحسب الأنواع
البحث في التصنيف