الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، أما بعد:
فلا ريب أنَّ هذين الاسمين (الحي القيوم) لهما فضلٌ على سائر أسماء الله؛ فقد افتتحت بهما آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، وافتُتحت بهما سورة مِن أعظم سور القرآن: آل عمران، و"الحيُّ القيُّوم" اسمان متضمِّنان لمعاني أسماء الله وصفاته، فجميع أسماء الله وصفاته الذَّاتية راجعةٌ إلى اسمه "الحيِّ"، وجميعُ صفاته تعالى الفعليَّة راجعةٌ إلى اسمه "القيوم"، قال معنى ذلك ابن القيم [1] ، وهو ظاهر لِمَن تدبَّره، وقد قيل في هذين الاسمين (الحي القيوم): إنَّهما الاسم الأعظم [2] ؛ فالتَّوسل بهما إلى الله لا شكَّ أنَّه مِن أعظم التَّوسلات، فكيف بالتَّوسّل بهما مع التَّوسُّل بالتَّوحيد والرحمة؟!
وأما تعيينُ ثواب للتَّوسل بهما وتعيينُ زمان وعدد: فهذا يحتاج إلى دليل عن الصَّادق المصدوق المعصوم، صلَّى الله عليه وسلَّم، قال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء:59].
والشرائع لا تثبت بالتَّجربة ولا بالاستحسان، بل بنصٍّ مِن كتاب أوسنَّة، ومَن جرَّب شيئًا مِن الأدعية الصَّحيحة وانتفعَ به في دينه أو دنياه فذلك مِن فضل الله، ولا بأس أن يتحرَّاه ويدعو به، لكن لا يدَّعي أنَّه واجبٌ أو مستحبٌّ أو أنَّه سنَّة، فيدعو إليه ويرغِّبُ غيرَه فيه، ولعلَّ ما حصل مِن أحوال باطنة في قلبه لم تكن بسبب هذا التَّوسل وحده، بل لِمَا قامَ بالقلب مِن صدق التَّوجه واللَّجأ، لذلك لا أرى ما ذهبَ إليه شيخُ الإسلام وابنُ القيم -رحمهما الله- مِن خصوصية هذا التَّوسل زمانًا وعددًا، وإنَّما يدعو به المسلم كما يشاء، دون تقييد بزمان ولا عدد، نسأله تعالى أن يحيي قلوبنا بالعلم والإيمان، والله أعلم.
أملاه :
عبدُ الرَّحمن بن ناصر البرَّاك
حرر في 28 شوال 1441هـ
الحاشية السفلية
↑1 | – ينظر: الصواعق المرسلة (3/911-912)، وزاد المعاد ط الرسالة (4/204)، ومدارج السالكين ط المجمع (4/176)، والكافية الشافية (1/184-185 رقم 538-544)، وبدائع الفوائد ط المجمع (2/678-679). |
---|---|
↑2 | -ينظر: جامع المسائل (8/107)، ومجموع الفتاوى (18/311) وزاد المعاد ط الرسالة (4/204) وفتح الباري (11/224-225) وقد ذكر الحافظ ابن حجر في تحديد الاسم الأعظم أربعة عشر قولا. |