الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فإنَّ العماد ابن كثير -رحمه الله- مِن أئمة أهل السنة، وكلُّ ما يوجد في كلامه ممَّا يوهم خلاف مذهب أهل السُّنة فلا بدَّ من توجيهه، وذِكْر ما يزيل الإشكال، وما ذكَره في تفسير الاستواء في هذه الآية قد ذكر وجهه، وهو التعدية بـ (إلى)، وهو توجيه ضعيف؛ فإن تعدية استوى بـ (إلى) لا يحتِّم تفسيره بـ (قصد)، ولا يمنع تفسيره بـ (علا) و(ارتفع)، وهو الذي رجَّحه ابن جرير[2]، ورواه عن مفسِّري السلف[3]، وذكر تفسير الاستواء بـ (علا) و(ارتفع) شيخ الإسلام ابن تيمية[4] وابن القيم، وقال: إن استوى بمعنى علا وارتفع، بإجماع السلف[5].
فتبيَّن بهذا أن اقتصار ابن كثير ومن وافقه على تفسير (استوى) في هذا الموضع بـ (قصَد) غيرُ سديد، فلا يعوَّل عليه، ولا يتابع فيه، هذا ومن المعلوم بالضرورة أن ابن كثير لا ينفي علو الله على خلقه[6]، فلا يجوز أن يتوهَّم فيه ذلك. رحمه الله، وعفا عنه.
وإذا فسِّر اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ في هذه الآية بـعلا وارتفع، على القول المختار؛ فإنه لا يلزم تعديته بـ (على)؛ لأن الفعل (علا) يتعدَّى بـ (على) و(إلى)؛ وكذا (استوى) إذا فسِّر بـ (علا)؛ ففي العرش عدِّي بـ (على)، وفي السماء عدِّي بـ (إلى)، فلا يجوز وضع أحدهما مكان الآخر، أي: فلا يقال: ثم استوى إلى العرش، كما لا يقال: استوى على السماء، وبهذا يصح قول من قال: إنه لا يجوز أن يقال: إن الله استوى على السماء. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 11 جمادى الأولى 1446 هـ
[1] تفسير ابن كثير (1/213).
[2] تفسير الطبري (1/457).
[3] ينظر: تفسير الطبري (1/456).
[4] ينظر: شرح حديث النزول -ت الخميس- (ص393-394).
[5] مختصر الصواعق المرسلة- ت العلوي- (3/889).
[6] ينظر على سبيل المثال: تفسير ابن كثير (3/426-427)، (3/239-240)، (4/430)، والبداية النهاية- ط ابن كثير- (10/99-100).