الرئيسية/فتاوى/هل المسعى داخل في حد المسجد الحرام بعد العمارة الحديثة

هل المسعى داخل في حد المسجد الحرام بعد العمارة الحديثة

السؤال :

هل يُعد مشعر المسعى داخلًا في حدّ المسجد الحرام بعد العمارة الحديثة، واتصال البناء، وهل تثبت له جميع أحكام المسجد، وهل يصح أن نستدل على حكم هذه المسألة بتوسعة المهديِّ العباسيِّ الأولى، والثانية للمسجد الحرام، وذلك عندما أدخل المسعى كله أو بعضه في المسجد الحرام، وأن العلماء المعاصرين لتلك التوسعة ومن جاء بعدهم عبر العصور، أقرُّوا ذلك، ولم يعترضوا عليه، كما ذكر ذلك بعض المؤرخين والفقهاء كالأزرقي والفاكهي وابن كثير والفاسي والقطبي والمعلمي. أحسن الله إليكم.

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فالذي يظهر لي -والله أعلم- أنَّ المطاف بين الصفا والمروة (المسعى) لم يدخل في المسجد، كما هو الأصل؛ فإنه مَشعر مستقل، ولم يزل الناس من العامة والخاصة يفرقون بين المسجد والمسعى، وكذلك مِن المعلوم أن بينهما فرقًا في الأحكام الشرعية. والإذنُ بالصلاة فيه، وتهيئتُه لذلك؛ لا يصيِّر له حكم المسجد، فهو بهذا شأنُه شأنُ الساحات المحيطة بالمسجد، يصلَّى فيها وليست من المسجد؛ فالمسجد محدود، وله أبواب حتى من جهة المسعى، وهذا مستقر في عقول المسلمين، وذلك فإنهم يتنافسون للدخول في المسجد؛ فلا تطيب نفوسهم بالصلاة في الساحات وفي المسعى، وعلى هذا فلا يزال المسعى مختصًّا بأحكامه الشرعية، ومن ذلك جواز دخول الحائض فيه وسعيها فيه، وبالمناسبة أرى أن الفضيلة المقدَّرة في الصلاة بمئة ألف خاصةٌ بالمسجد الذي فيه الطَّواف، ويقصد للصلاة فيه طلبًا للفضيلة[1]، ولا يدخل في ذلك المسعى كالساحات، كما تقدم[2].

ولذلك أقول: إنَّ المسعى لم يدخل في المسجد قطُّ، ولا في عهد المهديِّ العباسيِّ؛ فإنَّ توسعة المهديِّ إنما كانت من الجهة الجنوبية للمسجد؛ فأَدخلت شيئًا من الوادي في المسجد، وربما أدى ذلك إلى دخول شيء من موضع السعي الذي هو بطن الوادي، أما المسعى بطوله فلم يدخل في المسجد قطُّ إلى اليوم، بل هو مستقلٌّ عن المسجد في بنائه وحدوده، كما هو ظاهر[3].

وبعد كتابة هذه الفتوى وقفتُ على قرار المجمع الفقهي الإسلامي[4] برئاسة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، وفيه التأكيد على أن المسعى ليس من المسجد، ولا تشمله أحكامه. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 26 جمادى الأولى 1446هـ

 

[1] ولشيخنا فتوى محررة في بيان ذلك بعنوان: ” ثواب من اعتكف في مسجد في الحرم تفاديا للزحام في المسجد الحرام” وهي نشورة في الموقع الرسمي.

[2] وإلى هذا ذهب جماعة من العلماء منهم: النووي في باب استقبال القبلة، والمحب الطبري، وابن مفلح. وفي المراد المسألة سبعة أقوال ذكرها الزركشي. ينظر: المجموع شرح المهذب- ط المنيرية- (3/189)، والفروع (2/456)، إعلام الساجد بأحكام المساجد (ص119).

[3] ينظر: أخبار مكة للأزرقي (2/74)، (2/78)، وللفاكهي (2/165)، (2/171).

[4] قرارات المجمع (ص295)، وهو القرار الثالث ضمن الدورة الرابعة عشرة المنعقدة يوم السبت20 شعبان 1415.