الرئيسية/فتاوى/حكم الطهر الذي يتخلل أيام الحيض

حكم الطهر الذي يتخلل أيام الحيض

السؤال :

مما يُشكل على كثير مِن النساء: مسألة الطهر الذي يتخلل الحيض، كأن تكون المرأة عادتها ستة أيام، وبعد يومين من الحيض ترى طهرًا يستمر معها يومًا أو بعض يوم، وقد قرأت أثرًا عن ابن عباس، قال: “إذا رأت الطُّهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي”، وتتبُّع ذلك ساعة بعد ساعة ممَّا يشق على المرأة، لا سيما في بعض الأحوال كالسفر والبرد، فما حكم هذا الطهر المتخلل أيام الحيض؟ وما توجيه أثر ابن عباس رضي الله عنهما؟ جزاكم الله خيرا.

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فإن من المعلوم بحكم العادة أن الدَّمَ -دمَ الحائض- يجري تارة، وينقطع تارة، ودمُ الحيض هو الأسود أو ما يغلب فيه السواد، وهو البحراني[1]، كما في أثر ابن عباس[2]، فعلى هذا؛ فالوقت الذي يجري فيه الدم يكون حيضًا، وفي الوقت الذي ينقطع فيه الدم يكون طُهْرًا، لكن اختلف العلماء في مقدار الوقت الذي يُعد انقطاعه فيه طُهرًا؛ فمنهم من يقدِّره، ومنهم من لا يقدِّره، بل يقول: متى انقطع الدم فإن المرأة تكون طاهرًا: تصوم وتصلي ويأتيها زوجها مطلقًا، ولو ساعة، كما جاء في أثر ابن عباس عند البخاريّ[3]، ولفظه: “تغتسل وتصلي ولو ساعة، ويأتيها زوجها إذا صلَّت، الصلاة أعظم”، والصواب أن أثر ابن عباس هذا في الحائض، لا في المستحاضة، كما هو ظاهره، وذلك لأمرين:

أولًا: أنه قال -كما عند ابن أبي شيبة[4] والدرامي[5] وإسناده صحيح-: “أما ما رأت الدَّمَ البحراني فلا تصليَّ، وإذا رأت الطهر ولو ساعة من النهار فلتغتسل وتصلي”، وهذا إنما يكون من الحائض.

ثانيًا: أن المستحاضة ليس دمها هكذا، بل دمها في الغالب أحمر؛ فحكمها حكم الطاهرات: تصوم وتصلي في سائر الأوقات، بل ويأتيها زوجها في بعض أحواله، على قول بعض أهل العلم[6].

أمَّا مَن يقدِّر مدة انقطاع الحيض وأنه يعد طُهرًا -وهو القول الثاني من أقوال أهل العلم- فأصحُّ ما قيل فيه: إنه إذا نقص انقطاعه عن يوم فليس بطهر، قال الموفق في “المغني”[7]: “ويتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطهر، وهو الصحيح إن شاء الله” اهـ، وأقول: هذا ما يقتضيه يسر الشريعة؛ فإنَّ اعتبار انقطاع الدم طهرًا مطلقًا يتضمَّن حرجًا عظيمًا، وقد قال تعالى: ﴿‌وَمَا ‌جَعَلَ ‌عَلَيْكُمْ ‌فِي ‌الدِّينِ ‌مِنْ ‌حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

فنقول لمن يقع لها ذلك: إذا انقطع دمُها ساعةً أو ساعتين أو ثلاثًا، أي: أقلَّ من يوم، فهو تابع للحيض، وإذا علمتْ أنه ينقطع يومًا فأكثر فهو طهرٌ تصلي فيه وتصوم. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 7 ربيع الأول 1446ه

 

[1] دم بحراني شديد الحمرة، كأنه قد نُسب إلى البحر وهو اسم قعر الرحم، وزادوه في النسب ألفًا ونونًا للمبالغة، يريد الدم الغليظ الواسع. وقيل نُسب إلى البحر لكثرته وسعته. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 99).

[2] سيأتي تخريجه قريبًا.

[3] علَّقه البخاري بصيغة الجزم في كتاب الحيض، ‌‌بابٌ: إذا رأت المستحاضة الطهر، عند حديث (331). ووصله ابن أبي شيبة، والدارمي كما سيأتي، وقوله: “ويأتيها زوجها” هذا أثر آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في المستحاضة، وصله عبد الرزاق (1189) وغيره. ينظر: تغليق التعليق (2/182).

[4] المصنف- ت الشثري- (1378).

[5] سنن الدارمي- ت حسين أسد – (727).

[6] ينظر: المجموع شرح المهذب- ط المنيرية- (2/372)، والمغني- ط هجر- (1/420).

[7] (1/437).