الرئيسية/فتاوى/التحذير من طريقة منكرة لقراءة القرآن وتعليمه

التحذير من طريقة منكرة لقراءة القرآن وتعليمه

السؤال :

السؤال: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فسلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ الوالد عبد الرحمن. لدينا -طلاب العلم من دول الاتحاد السوفيتي سابقًا- سؤال لفضيلتكم، وطلب بيان حكم شرعي حول قضية مهمة عمت بها البلوى وانتشرت في الآونة الأخيرة في بلادنا، وهي: أنه قد ظهرت في مصر امرأة عربية تزعم أنها أوجدت واخترعت طريقة جديدة لقراءة القرآن وتعليمه، وتسمي طريقتها «انظري»؛ حيث إنها تعتمد على السماع وتكون بغلق الأعين. وقد اشتهرت هذه الطريقة بين الطالبات بمسميات أخرى كـ «التحقيق في القراءة»، و«القراءة البطيئة»، و«الطريقة المصرية». وهذه الطريقة تتلخص في نقاط آتية:

أولًا: أن أيَّة طالبة تلتحق بحلقتها لا بد أن تتوقف عن قراءة القرآن ومراجعة محفوظاتها السابقة وعن حفظ الجديد من القرآن.

ثانيًا: أنه لا يجوز إفراد تعلُّم علم التجويد، بل لا بد أن يُجمع مع علمي التشريح والأصوات (وهو علم من علوم الموسيقى)، وعلى ذلك بَنَتْ طريقتها في الجمع بينها. وتزعم أن الخلل الكثير الذي وُجد عند القُرَّاء اليوم قد نشأ بسبب فصل علم التجويد عن هذين العلمين.

ثالثًا: أنها أحدثت شيئًا في القراءة سمته «زمن الحرف»، وتُلزِم الطالبات بنطق كل حرف فوق زمنه المعتاد من أجل إظهار المخرج الصحيح للحرف، وتقول: «كلما أطال الطالب نطق الحرف تبيَّن مخرجه بصورة أصح»، وهذا أثناء قراءة القرآن.

وتزعم هذه المرأة أن هذه الطريقة لا يُدَرَّس بها منذ أكثر من مئة عام وأنها أول من أحياها، وأنها أخذتها من بعض كتب الخليل الفراهيدي، كما ادعت كونها تعتمد على آراء د. غانم قدوري الحمد. غير أنها استنبطت قواعد كثيرة جديدة مِن مجرد بعض أقوال العلماء في هذا الفن، كما سبق في قاعدة الزمن في إطالة نطق كل حرف، وكذلك قاعدة “التخليص” التي مفادها القطع بين أحرف الكلمة الواحدة من أجل إعطاء كل حرف حقه -كما تزعم-.

وهذه المرأة لمَّا لم تلقَ قبولًا في المجتمع العربي ومجتمع مصر -كما قالت هي بنفسها في مقابلة شخصية معها- تحوَّلت إلى تعليم الطالبات من بلاد الاتحاد السوفيتي سابقًا، فوجدت قبولًا من بعض الأخوات. وكانت مِن ضمنهن معلمة الموسيقى التي تعجبت بهذه الطريقة ونقلتها إلى الأخوات في المجتمع الروسي، فانتشرت هذه القراءة للقرآن الكريم بين الأخوات بشكل واسع؛ حيث إن كل واحدة منها لما تأخذ دورة في تعليم الحروف بهذه الطريقة لمدة تقرب من ستة أشهر فإنهم يجيزون لها البدء في تعليم الناس لقراءة القرآن، ولهذا السبب كثر عدد معلمات القرآن بهذه الطريقة.

ومما يُذكر هنا:

1- أن جميع المعلمات لا تحمل أي إجازة في إحدى القراءات -اللهم إلا ربما إجازة عن الأخت المؤسسة لهذه الطريقة، بل هي كذلك لا تحمل شيئا من الإجازات إلا في القراءة النظرية للقرآن-، وكثير منهن لا تحفظ شيئًا يذكر من القرآن ولا تقرأه قراءة صحيحة.

2- أنهن أحدثن الختمة الجماعية بهذه الطريقة؛ حيث إن المعلمة تقرأ جزءًا واحدًا يوميا في إحدى قنوات التواصل الاجتماعي والطالبات يرددن خلفها ولو لم تكن متقنة للحروف، علمًا أن قراءة جزء واحد من القرآن قد تستغرق من ساعتين إلى أربع ساعات.

3- أنهن يمنعن الطالبات من فتح المصاحف والقراءة فيها إلى أن يؤذن لهن.

4- أن من كانت من الطالبات عارفة للقراءة الصحيحة فإنهن يُلزمنها بترك ما تعلمت قبل التحاقها بالحلقة، ويغيِّرن تلاوتها وفق طريقتهن المذكورة آنفًا.

5- أن بعد مُضي قرابة عشر سنوات من افتتاح تلك الحلقات لم يرَ المجتمع الروسي وغيره قارئة واحدة تقرأ القرآن قراءة صحيحة معروفة لدى المتخصصين في هذا العلم، وكل ذلك بسبب محاولتهن لضبط مخارج الحروف.

6- أنهن يُلزمن الطالبات بقراءة وإتقان الترجمة الحرفية للقرآن؛ حيث إنها ترجمة لكل كلمة من القرآن دون مراعاة لمعنى الآية الإجمالي، وهذه الترجمة كُتبت أخيرًا من قبل بعض المترجمين.

وبناءً على ما ذُكر سابقًا نرجو من فضيلتكم بيان الأمور الآتية:

أولا: حكم هذه الطريقة في قراءة القرآن وحكم التعلم بها وتعليمها؟

ثانيا: حكم هذا التشديد والمبالغة في ضبط مخارج الحروف جُزافًا منهن، لا سيما على حساب الاستفادة الحقيقية من الوقت في تعلم القرآن قراءةً وحفظًا؟

ثالثًا: ما حكم ختمة القرآن بهذه الطريقة؛ حيث قد يمكث الواحد منهم ساعات طويلة لمجرد ترديد الأحرف المتقطعة، وهي عبارة عن قراءة ممددة مطولة مجزَّأة للكلمات وراء الأستاذة في قناة من قنوات التواصل الاجتماعي؟

رابعًا: ما حكم الاستفادة من الترجمة الحرفية للقرآن والقراءة فيها؟

أفتونا مأجورين إن شاء الله، ومرفق لكم بالسؤال نماذج من القراءة المذكورة للطالبات المتقدمات في دراسة القرآن بهذه الطريقة؛ علما أن هذه النماذج هي عبارة عن قراءة الطالبة على الشيخة من أجل التصحيح، وأن الشيخة في هذه التسجيلات مُقرَّة ومُصحِّحة لجميع المقروء.

نسأل الله لكم دوام التوفيق والعافية، والله يحفظكم ويرعاكم.

 الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فقد سمعتُ هذا السؤال عن المرأة المصرية، وطريقتها في تعليم القرآن؛ فعرفتُ من هذا الشرح المفصَّل أن هذه المرأة ضالة استعملها الشيطان في التلاعب بكتاب الله، وإضلال الراغبات في تعلُّم القرآن وتلاوته؛ فهذه الطريقة في جملتها بدعةٌ منكَرةٌ مخالفةٌ لقراءة المسلمين من عهد الصحابة -رضي الله عنهم-، ومخالفة للغة العربية التي نزل بها القرآن؛ فتطويل زمن النطق بالحرف لا أصل له في لغة العرب، ولا عند علماء القراءات المعظمين للقرآن، ومِن المنكر في هذه الطريقة ما تزعمه هذه الجاهلة الضالة من أن سبب الغلط عند الناس في تجويد القرآن أنهم لم يَضُمُّوا إليه علمي التشريح والأصوات؛ مما يدل على أن طريقة هذه المرأة الضالة يجر إلى جعل تلاوة القرآن من جنس الأغاني، وفي هذا أبلغ امتهانٍ للقرآن وتهوينٍ مِن قدره، ومن المساوئ الشنيعة لهذه الطريقة: تعسير تعلم القرآن الذي يسره الله للذكر، ولا ريب أن هذا العسر ليس في القرآن بل في هذه الطريقة المبتدَعة.

 ومجمل القول: أن هذه الطريقة في تعليم القرآن حرام: تعلم القرآن وتعليمه بها؛ فعلى الأخوات المؤمنات الراغبات في تعلُّم القرآن وتلاوته رَفْضَ هذه الطريقة، والبراءةَ منها ومن الداعيات إليها، كما يجب الإنكار على الطالبات اللاتي يتعلَّمن هذه الطريقة، وأنه لا أجر لهن في تعلُّم القرآن وتلاوته بهذه الطريقة، وأنه يجب عليهن العودة إلى طريقة المسلمين في تعلُّم القرآن وتعليمه وتلاوته، وتطبيق قواعد التجويد المعروفة، مع البعد عن التقعُّر والتَّنَطُّع في نطق الحروف؛ فإنه من التكلُّف الذي أمر الله نبيه بالبراءة من أهله: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: 86]، وكذلك يحرم ختم القرآن بهذه الطريقة فلا تجوز المشاركة فيها تلاوةً أو حضورًا أو استماعًا، مباشرةً أو بواسطة قنوات التواصل، وكذلك تحرم ترجمة القرآن الترجمة الحرفية والقراءة بها؛ فإن الترجمة التي أجازها العلماء ترجمة معاني القرآن، وهي نوعٌ من التفسير بغير العربية[1].

 وفي هذا المقام أذكِّر أنه يجب على المشايخ والدعاة أن يقاوموا أهل هذه الطريقة المنكرة بالإنكار الشديد، ويوجِّهوا بناتهم وأخواتهم المسلمات ويحذروهن من الأخذ بهذه الطريقة المبتدعة، ويرشدونهن إلى الصواب؛ ليقرأن القرآن كما يقرأه المسلمون رجالًا ونساءًا.

 نسأل الله أن يبطل عمل المفسدين، ويهدي الطالبين للحق إلى الطريق المستقيم، أيها المشايخ والدعاة، انقذوا بلادكم من الساعين فيها بما يصدُّ عن الحق، ويوقع في الضلالات والأباطيل التي يزينها الشيطان وجنوده من المنافقين والجاهلين الضالين عن سواء السبيل، نسأل الله أن يلطف بالجميع، ويلهمنا الصواب في القول والعمل في جميع مسائل الدين، والله أعلم، وصلى والله وسلم على نبينا محمد.

وهاهنا تنبيهان:

الأول: يجب على المعلمات اللاتي كنَّ يعلمن بهذه الطريقة أن يَتُبن إلى الله ويتركن التعليم بها، ويبيِّنَّ للطالبات أن تعليمهن بهذه الطريقة كان خطأً منهن، وأنهن الآن قد تركنها لأنها طريقة فيها مخالفات شرعية كثيرة.

الثاني: يجب على المعلمات اللاتي أخذن من الطالبات رسومًا أن يُرجعن هذه الأموال لأنهن أَخذن هذه الأموال بغير حق؛ لأنه لا يجوز أخذ الأجرة إلا على العمل المشروع والعمل المباح[2]، وقد بينا في الجواب أن التعليم بهذه الطريقة حرام فلا يجوز أخذ الأجرة عليه، ونقول للجميع: اتقوا الله وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة: 281]؛ فإنه محاسبكم ومجازيكم، نسأل الله العفو والغفران، والثبات على الإيمان، والله المستعان، وحسبنا الله، ونعم الوكيل.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر ذي الحجة من عام ستة وأربعين وأربعمئة وألف.

 

[1] ينظر: مناهل العرفان (2/107)، والموسوعة القرآنية المتخصصة (1/859).

[2] ينظر: أسنى المطالب (1/569)، والمغني (8/131).