الرئيسية/فتاوى/سبب ترك القصاص من المسلم الذي لطم اليهودي لما فضل موسى على نبينا
share

سبب ترك القصاص من المسلم الذي لطم اليهودي لما فضل موسى على نبينا

السؤال :

فضيلة الشَّيخ؛ قرأتُ حديثًا في صحيح البخاري أنَّ أبا هريرة قالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَقالَ المُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى العَالَمِينَ. وَقالَ اليَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى علَى العَالَمِينَ. قالَ، فَغضبَ المُسْلِمُ عِنْدَ ذلكَ، فَلَطَمَ وَجْهَ اليَهُودِيِّ، فَذَهَبَ اليَهُودِيُّ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فأخْبَرَهُ بما كانَ مِن أَمْرِهِ وَأَمْرِ المُسْلِمِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: (لا تُخَيِّرُونِي علَى مُوسَى، فإنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يوْمَ القيامةِ فأكُونُ في أَوَّلَ مَن يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بجَانِبِ العَرْشِ، فلا أَدْرِي أَكَانَ موسى فِيمَن صَعِقَ فأفَاقَ قَبْلِي أَمْ كانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ).  

وسؤالي: لماذا لم يقتصَّ الرَّسولُ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لليهودي مِن المسلم؟ هل القصاصُ كانَ مشروعًا في ذاك الوقت أم لا؟ وهل اليهودي كان يستحقُّ اللطمَ على الكلام الذي قاله ؟

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وصحبه، أمَّا بعد :

فإنَّ الظَّاهر مِن سياقِ قصَّة اليهودي وقوله: “والذي اصطفى موسى على البشر”، الظَّاهرُ أنَّه يعرِّض بتفضيل موسى على محمَّد صلَّى الله عليهما وسلَّم، كما فهمَ الأنصاري ذلك، ولذا قالَ الأنصاري: “أعلى محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم؟!” ومعلومٌ أنَّ اليهودي يريدُ بهذا غيظَ المسلم، بانتقاصِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلذا غضبَ المسلمُ فلطمَ اليهوديَّ انتصارًا للرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وردًّا لما أراده اليهوديُّ مِن تفضيل موسى على محمَّدٍ عليهما الصَّلاة والسَّلام، لأنَّ الذي لا شكَّ فيه أنَّ محمَّدًا -صلَّى الله عليه وسلَّم- سيِّدُ ولد آدم، وأفضلُ مِن جميع المرسلين، وما صنعه المسلمُ هو تعبيرٌ عن هذا الاعتقاد، فتضمَّن ما صنعه المسلم مواجهة اليهودي بضدّ مراده، وهو أنَّ محمَّدًا أفضل مِن موسى، فلذا نهى النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن تخييره على موسى، أي لا تقولوا: إنَّ محمَّدًا خيرٌ مِن موسى.

ثم نوَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- بفضل موسى، وفي هذا شيء مِن إنصاف اليهودي، وليس فيه تفضيلٌ لموسى على محمَّد -عليهما الصَّلاة والسَّلام- تفضيلًا مطلقًا، ولا بفضيلة خاصَّة؛ لأنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يجزم بأنَّه أفاقَ قبله مِن الصَّعق، وأمَّا قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (لا تخيّروني على موسى)، وقوله في الحديث الآخر: (لا تخيّروا بينَ الأنبياء). فقالَ العلماء: معناه: النَّهي عن التَّفضيلِ على وجهِ الفخرِ، أو التنقُّص للمفضول.

وأمَّا عدمُ القصاص لليهودي مِن المسلم فيحتملُ أمورًا :

  • أنَّ اليهودي بعدما قالَ النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قولته لم يطالبْ بالقصاص.
  • أنَّ اليهودي كانَ مستحقًّا لِمَا فعله به المسلمُ؛ لأنَّ العهدَ يقتضي ألا يؤذي المسلمين بسبّ نبيّهم أو التَّعريض به، فلذا لم ينكر النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- على المسلم ما فعلَ، ولكنَّه أرشده إلى تركِ تفضيله على موسى، لِمَا في ذلك مِن الفخر أو التَّنقُّص لموسى عليه السَّلام، ولابدَّ مِن هذا التَّوجيه، ولو كانَ المسلمُ ظالمًا بلطمه اليهودي، وطالبَ اليهوديُّ بالقصاصِ؛ لأنصفه النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولابد.

وهذا كلّه على تقدير وجوب القصاص في اللطمة، وجمهورُ العلماء على أنَّه لا يجبُ ذلك بين المسلمين، فكيف بين المسلم والكافر؟! ومَن يقول بوجوب القصاص في اللطمة قد يقول: لا يجبُ ذلك بين المسلم والكافر، ولكن يجب التَّعزير، والرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يقتصَّ لليهودي، ولم يعزر المسلم، فنرجع إلى الجواب المتقدِّم، والله أعلم.

ويناسبُ هنا ذكرُ ما قاله شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في الصَّارم المسلول بشأن اليهودي، قال: “ولو أن اليهوديَّ أظهرَ القولَ [أي صرَّح] بأنَّ موسى أفضل مِن محمد، لوجبَ التَّعزيرُ عليه إجماعًا بالقتلِ أو بغيره” .

قال ذلك :

عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك

حرر في 9 شوال 1435هـ