(18) الفصل الثالث: معرفة دين الحق الإسلام (الإيمان)

القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخ عبد الرحمن العمر -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الدين الحق":

الإيمان

[أركان الإيمان]

لقدْ أوجبَ اللهُ - تعالى - على المسلمِ أنْ يؤمنَ إلى جانبِ الإيمانِ بِه وبرسولِه وبأركانِ الإسلامِ، أوجبَ عليهِ أنْ يؤمنَ بملائكتِه وكتبِه التي أنزلَها على رسلِه، والتي ختمَها بالقرآنِ، ونسخَها بِه، وجعلَه مهيمنًا عليها، وأنْ يؤمنَ برسلِ اللهِ مِن أولِهم إلى آخرِهم محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ رسالتَهم واحدةٌ، ودينَهم واحدٌ، وهو الإسلامُ، ومُرسلَهم واحدٌ وهو اللهُ ربُّ العالمين، فيلزمُ المسلمَ أنْ يؤمنَ بأنَّ الرسلَ الذين ذكرَهم اللهُ في القرآنِ رسلُ اللهِ إلى أممِهم الماضيةِ، ويؤمنَ بأنَّ محمدًا خاتَمُهُم، ورسولُ اللهِ إلى الناسِ أجمعين، وأنَّ الناسَ بعدَ بعثتِه كلُّهم أمةٌ له حتى اليهودُ والنَّصارى وغيرُهم مِن أهلِ الدِّياناتِ الأخرى؛..

الشيخ: يقول أهلُ العلم: إنَّ الناسَ جميعًا هم أمةُ الدَّعوة، والذين شَهِدوا أنَّ محمدًا رسولُ الله أمةُ الإجابة، أمةُ الإجابة هم مَنْ شهدوا أن محمدًا رسولُ الله، وأمةُ الدعوة جميعُ الناس، لقولِه عليه الصلاة والسلام: وبُعثتُ إلى الناسِ كافَّة، نعم، فهؤلاء أُمة الدعوة، فاليهودُ والنصارى من أمة الدعوة؛ لأنَّهم مَدعوون ومطالبونَ باتباع الرسول –صلى الله عليه وسلم-، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158].

القارئ:

لأنَّ جميعَ مَن في الأرضِ أمةٌ لمحمدٍ مُلزمونَ مِن عندِ اللهِ باتباعِه.

[كفر من لم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم]

وموسى وعيسى وجميعُ الرُّسلِ بريئونَ ممَّنْ لا يَتبعُ محمدًا، ويدخلُ في الإسلامِ؛ لأنَّ المسلمَ مؤمنٌ بجميعِ الرسلِ، ومُتبعٌ لهمْ، ومَنْ لمْ يؤمنْ بمحمدٍ ويتبعْهُ ويدخلُ في دينِ الإسلامِ فهو كافرٌ بجميعِ الرسلِ، مُكذِّبٌ لهم، ولو ادَّعى أنَّه متبعٌ لأحدِهم،

الشيخ: وهكذا كلُّ مَنْ كذَّب رسولًا فهو مُكذِّبٌ لجميعِ الرسل كما قال تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ [الشعراء:105] كَذَّبَتْ عَادٌ [الشعراء:123] كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105] كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:123] وقال مثل ذلك في ثمود وقوم لوط وشعيب، مَنْ كذَّبَ واحدًا مِن رسل الله كان مُكذبًا لجميعهم؛ لأنَّ دعوتَهم واحدةٌ فلا فَرْقَ.

القارئ:

وقد تقدَّمتِ الأدلةُ على ذلكَ مِن كلامِ اللهِ تعالى في الفصلِ الثاني، وقالَ الرسولُ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم في حديثِه: والذي نفسِي بيدِهِ لا يسمعُ بي أحدٌ مِن هذهِ الأمةِ يهوديٌّ أو نصرانيٌّ ثمَّ يموتُ ولمْ يؤمنْ بالذي أُرسلتُ بِه إلا كانَ مِن أصحابِ النارِ ، رواهُ مسلمٌ.

الشيخ: الله أكبر، الله أكبر...

القارئ:

[الإيمان بالبعث بعد الموت]

ويجبُ على المسلمِ أنْ يؤمنَ بالبعثِ بعدَ الموتِ والحسابِ والجزاءِ والجنةِ والنارِ.

[الإيمان بالقدر ومعناه]

ويجبُ عليهِ أنْ يؤمنَ بقدرِ اللهِ تعالى.
ومعنى الإيمانِ بالقَدَرِ: أنْ يعتقدَ المسلمُ بأنَّ اللهَ -تعالى- قدْ عَلِمَ كلَّ شيءٍ، وعلمَ أفعالَ العبادِ قبلَ أنْ يخلقَ السَّمواتِ والأرضِ، وكتبَ ذلكَ العلمَ في اللَّوحِ المحفوظِ عنده، ويعلمَ المسلمُ بأنَّ ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لمْ يشأْ لم يكنْ، وأنَّ اللهَ -تعالى- خلقَ العبادَ لطاعتِهِ وبيَّنَها لهم، وأمرَهم بها ونهاهُم عَن معصيتِهِ، وبيَّنَها لهم، وجعلَ لهم القُدرةَ والمشيئةَ التي يتمكَّنونَ بها مِن فعلِ أوامرِ اللهِ، فيحصلُ لهم الثوابُ، ومِن فعلِ معاصيهِ فيستحقونَ العقابَ.
ومشيئةُ العبدِ تابعةٌ لمشيئةِ اللهِ تعالى، وأمَّا الأقدارُ التي لمْ يجعلِ اللهُ لعبادِه فيها مشيئةً ولا اختيارًا، وإنَّما يُجريها عليهمْ على الرّغمِ مِن إرادتِهم مثلَ الخطأِ والنسيانِ وما استُكرِهوا عليهِ، ومثلَ الفقرِ والمرضِ والمصائبِ ونحوِ هذا، فإنَّ اللهَ لا يُؤاخِذُ على ذلكَ ولا يُعاقبُ عليهِ الإنسانَ، بلْ يأجرُهُ على المصائبِ والفقرِ والمرضِ إذا صبرَ ورضيَ بِقَدَرِ اللهِ أجرًا عظيمًا، كلُّ هذا الذي تقدمَ يجبُ على المسلمِ أنْ يؤمنَ بِه.

[فضل الإحسان بعبادة الله في السر والعلانية]

وأعظمُ المسلمينَ إيمانًا باللهِ وأقربُهم منهُ وأعلاهُم منزلًا في الجنةِ: المحسنونَ الذين يعبدونَ اللهَ ويعظمونَه ويخشعونَ لَه كأنَّهم يرونَهُ، ولا يَعصونهُ في سِرِّهمِ وعلانيتِهم، ويعتقدونَ أنَّه يراهُم أينما كانوا، ولا يَخفى عليهِ شيءٌ مِن أفعالِهم وأقوالِهم ونياتِهم، فيُطيعونَ أمرَه، ويتركونَ معصيتَهُ، وإذا وقعَ مِن أحدِهم خطيئةٌ مخالفةٌ لأمرِ اللهِ تابَ إلى اللهِ منها توبةً صادقةً وعاجلةً، وندمَ على خطيئتِه واستغفرَ اللهَ، ولم يَعُدْ، قالَ الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128].

ثم قال رحمه الله:

كمالُ دِينِ الإسلامِ...

الشيخ: إلى هنا، تضمن هذا الفصل ذِكْرَ أركانِ الإيمان، الإيمانُ بالله وملائكتِه، وبما أنه قد تكلَّمَ عن ما يتعلَّقُ بالإيمانِ بالله بدأ بذكرِ الإيمانِ بالملائكةِ والكتبِ والرسلِ والبعثِ بعد الموت وبالقَدَرِ، وبيَّنَ أنه يجبُ الإيمانُ بذلك كله، الإيمانُ بملائكة الله وهم مِن عالَم الغيبِ، على ما جاء في الكتاب والسنة، والإيمانُ بجميعِ الرُّسل مِن أولِهم إلى آخرِهم وخَصَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بتعريفٍ خاصٍّ؛ لأن ما يجبُ علينا لنبينا أعظمُ مما يجبُ علينا لسائرِ الرُّسل، فرسالتُه خاصَّةٌ بنا، فيجبُ له مِن الإيمانِ به ومحبتِهِ وتعظيمِه فوقَ ما يجبُ لغيرِه مِن النبيين والمرسلين –عليهم الصلاة والسلام- ولا سيما أنَّه سيِّدُ ولدِ آدم فهو أفضلُ المرسلين وخاتَمُ النبيين صلى الله عليه وسلم.

وكذلك القرآنُ، يجبُ الإيمان بكتب الله كلها ولكن للقرآنِ خصوصية؛ لأنه مُنزَّلٌ على نبينا ونحن مُكلَّفون بما فيه، فالتوراةُ والإنجيلُ نؤمن بها لكن لا نعملُ بها؛ لأنَّها منسوخة، أما القرآنُ فإنه يجبُ الإيمان والعملُ به.

وكذلك من أصول الإيمان: الإيمانُ بالبعثِ، اليوم الآخر، كما جاء في الحديث، وكما جاء في القرآن: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء:136] وقال: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] فأصولُ الإيمان ذُكرت في آية آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].

ومِن أصولِ الإيمانِ: الإيمانُ بالقدَر: وهو الإيمان بأن الله عَلِمَ الأشياءَ قبل أن تكون بعلمِهِ القديم وكَتَبَ ذلك في اللوحِ المحفوظ، وأنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأْ لمْ يكنْ، وأنه خالقُ كلِّ شيءٍ، يقولُ أهلُ العلم: مراتبُ الإيمان بالقَدَر أربعة: الإيمانُ بعلمِ الله القديم، والعلمُ بكتابةِ الأقدار في اللَّوح، والثالثةُ: الإيمانُ بعمومِ المشيئة، والرابعةُ: الإيمانُ بعموم الخلق والقدرة، الإيمانُ بأنَّ الله خالق كل شيء وأنه على كلِّ شيء قدير، وثمرةُ هذا الإيمان أنْ يعلمَ الإنسان أن ما أصابَه لم يكن ليخطئَه وما أخطأهُ لم يكن ليصيبَهُ، كما يجبُ على العبدِ الرِّضى بقدَرِ اللهِ وتدبيرِه؛ لأنَّه -تعالى- حكيمٌ عَدْلٌ لا يظلمُ مثقالَ ذرةَّ.

فجزى الله الشيخ خيرًا، قف على هذا الفصل الأخير.

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة