الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد؛ أما بعد:
فإن المقرر في علم التوحيد أنه لا يجوز لُبس شيء من حلْقة أو خيط أو ودْع أو تميمة باعتقاد أنه يرفع البلاء النازل، أو يدفع ما لم ينزل، بل ذلك من الشرك أي: من الشرك الأصغر؛ [1] لأنَّه من قبيل الاعتماد على الأسباب، كيف وهذه ليس أسبابًا حقيقيَّة، بل هي أسبابٌ وهميَّة، وعلى هذا فلبس القطع المعدنيَّة بناءً على ما يُدَّعى لها من التأثير هو من هذا القبيل، لكن إذا ثبت بخبر الأطباء الثقات أن لها تأثيرًا طبيعيًّا -كما يقال- من سحب الشُحنات التي في الجسم، والتي تؤثر في العضلات وما يسمَّى بالروماتيزم، فإذا ثبت هذا بخبر الأطباء الثقات؛ جاز استعمالها من غير اعتماد بالقلب عليها، كسائر الأسباب الطبيعيَّة الخَلقيَّة، أي: التي خلقها الله وفيها هذا التأثير المُعَيَّن علاجًا لمرض موجود، أو وقاية من مرض متوقع، ومن تحقيق التوحيد: ترك الأسباب الوهميَّة، وترك الاعتماد على الأسباب مطلقًا؛ توكُّلًا على الله، وإيمانًا بأن الأسباب لا ينفع شيءٌ منها ولا يضر إلا بإذن الله، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:122].
هذا وقد سئل شيخنا الشيخ عبد العزيز ابن باز عن لُبس الأسورة المعدنيَّة، فذكر أنه استشار عددًا من المختصين من أساتذة الجامعة، ثم ذكر أنه اختلف الرأي فيها، ثم قال شيخنا: "والذي أرى في هذه المسألة هو ترك الأسورة المذكورة، وعدم استعمالها سدًا لذريعة الشرك، وحسمًا لمادة الفتنة بها والميل إليها، وتعلُّق النفوس بها، ورغبةً في توجيه المسلم بقلبه إلى الله سبحانه، ثقة به واعتمادًا عليه، واكتفاءً بالأسباب المشروعة المعلومة إباحتها بلا شك، وفيما أباح الله ويسَّر لعباده غُنية عما حرَّم عليهم، وعمَّا اشتبه أمره وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه [2] ، وقال -صلى الله عليه وسلم-: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك [3] اهـ كلام شيخنا. [4]
والظاهر لي من كلامه -رحمه الله- أنَّه لم يجزم بتحريمها، وإنَّما يرى تركها احتياطًا، وبُعدًا عن مشابهة من يتعاطاها على طريقة أهل الجاهلية. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 29 جمادى الآخرة 1443 هـ