الرئيسية/فتاوى/القصد والحكمة من عبادة العباد لله تعالى
share

القصد والحكمة من عبادة العباد لله تعالى

السؤال :

سألني شخص مسلم: لماذا نعبد الله؟ فأجبته: لأنّه هو المستحق للعبادة وما خلقنا إلا لعبادته، فلا معبود بحقّ إلا الله. فسألني وقال: أنا أقصد أنّه لماذا نعبده ما دمنا نعلم أننا لن نفيده، وكتب عنده مَن سيدخل الجنّة ومَن سيدخل النّار؟
بعد هذا السّؤال تذكرت إجابة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- للصّحابة -رضي الله عنهم- حينما سألوه نفس السؤال فقال:
(‏كلّ ميسرٌ لِمَا خُلِقَ له). أتمنى أن تتضمّن الإجابة شرحاً لـ (‏كلّ مُيسّرٌ لِمَا خُلِقَ له) وجزاكم الله خيراً.

الحمد لله، قول القائل “لماذا نعبده” جوابه كما ذكرتَ بأنّه -سبحانه وتعالى- هو المستحقُّ للعبادة، لأنّه خالقنا ورازقنا، وهو ربّنا وربّ كلّ شيءٍ، ولأنّه خلقنا لعبادته وأمرنا بها، كما قال: وَمَا خَلَقتُ ٱلجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ [الذاريات:56] وقال تعالى: يَٰٓأَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم [البقرة:21]
ولم يخلقنا لعبادته ولم يأمرنا بعبادته لحاجة به إلى ذلك؛ فإنّه الغنيُّ عن خلقه، لكنّه تعالى يحبُّ مِن عباده أن يعبدوه وحدَه لا شريكَ له، وأن يطيعوه ويطيعوا رُسلَه عليهم السّلام.
ولكن منفعةُ العبادة راجعةٌ إلى العباد، ومضرّةُ تركها واقعةٌ عليهم، فالعباد لا ينفعون الله ولا يضرّونه، بل هو النّافع الضّار، وفي الحديث القدسي: (يا عِبادي إنّكمْ لَنْ تبْلغُوا نَفْعي فَتَنْفعوني، ولَنْ تَبْلغُوا ضَرّي فتَضرُّوني) رواه مسلم (2577)
وقد بيّن -سبحانه وتعالى- أنّه لم يخلق الجنّ والإنس ليرزقوه أو يطعموه، أو يتقوى بهم مِن ضعف، فقال سبحانه: وَمَا خَلَقتُ ٱلجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ * مَآ أُرِيدُ مِنهُم مِّن رِّزق وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطعِمُونِ * إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلقُوَّةِ ٱلمَتِينُ [الذاريات:55-58]
أمّا قول القائل: “لماذا أمرنا الله بعبادته وقد علمَ مَن يدخل الجنّة ومَن يدخل النّار” فجوابه أيضًا -كما ذكرت- أن على العباد أن يعملوا ولا يتّكلوا على القدر، كما قال -صلّى الله عليه وسلّم- لِمَن قال له: إذا كانَ ما نعملهُ قد فرغَ منه ومضى به القدرُ فلماذا العمل؟ فقال -عليه الصّلاة والسّلام: (اعملوا فكلٌّ مُيسّرٌ لِمَا خُلِقَ له) رواه البخاري (4949)، ومسلم (2647) وتفسير هذا أنّ مَن كان مِن أهل السّعادة فسيُيسّرُ لعمل أهل السّعادة، ومَن كان مِن أهل الشّقاوة فسيُيسّرُ لعمل أهل الشّقاوة، هكذا جاء في الحديث، وجاء هذا المعنى في القرآن في قوله سبحانه: فَأَمَّا مَن أَعطَىٰ وَٱتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِٱلحُسنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِليُسرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالحُسنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلعُسرَىٰ [الليل:5-10]
وهذا التّيسير لعمل أهل السّعادة، أو عمل أهل الشّقاوة: هو الهدى والإضلال المذكوران في مثل قوله تعالى: يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهدِي مَن يَشَآءُۚ فيهدي مَن يشاء بتوفيقه فضلاً منه، ويضلّ مَن يشاء بعدم التّوفيق عدلاً منه، فهو تعالى يهدي مَن يشاء بفضله وحكمته، ويضلُّ مَن يشاء بعدله وحكمته؛ لَا يُسۡ‍َٔلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسۡ‍ٔلُونَ [الأنبياء:23]
فالواجب على العباد أن يؤمنوا بشرع الله وقدره، وأن يطيعوا أمرَه ونهيه، وأن يأخذوا بأسباب السّعادة، وأن يحذروا مِن أسباب الشّقوة، وهذا ما فطرَ الله عليه العباد مِن الأخذ بالأسباب النّافعة، وتجنّب الأسباب الضّارة، وإن كان ذلك كلّه مقدّرًا كما في طلب الرّزق وطلب العلم، وطلب الأولاد، فلا يقول عاقل: إن كانَ اللهُ قد قدّر أن أكون عالمًا، أو قدّر أن يكون لي رزق، أو قدّر أن يكون لي أولاد فسيحصل ذلك كلّه دون سعي ولا عمل!
فهكذا سعادة الآخرة موقوفة على أسباب، وهي الإيمانُ والعمل الصّالح، ولن تتحقق هذه السّعادة إلّا بأسبابها التي شرعها الله وقدّرها -سبحانه وتعالى- فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعمَ اللُه عليهم مِن النّبيين والصّديقين والشّهداء والصّالحين، والله أعلم.

قال ذلك:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك
15/9/1431هـ