ولا تؤمنوا إلا لِمَن تبعَ دينكم
الحمدُ لله، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد، أمّا بعد:
فإنّ هذه الآية: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ(آل عمران:73) متّصلةٌ بالآية التي قبلها، وهي قوله تعالى: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ(آل عمران:72-73) الآية.
ففي هذه الآيات يُخبرُ -تعالى- عن طائفة مِن أهل الكتاب بتواصيهم بالمكر بالمؤمنين؛ وذلك بإظهار الإيمان في أوّل النّهار بما أنزل الله، وإظهار الكفر في آخره، ليقولوا: "جرّبنا الإيمان به فما وجدناه صالحًا"، يفعلون ذلك لعلّ المؤمنين يرجعون عن دينهم، وهذا مِن صور كيدهم، فعُلِم أنّهم يقصدون التّشويش على المؤمنين وإضلالهم.
ويوصون بعضهم بألّا يستجيبوا إلّا لِمَن اتّبع ملّتهم، ولا يطمئنوا إلّا لهم، ويُفضوا لهم بأسرارهم، زاعمين أنّ الدّين الذي هم عليه هو الحقّ؛ فلا يؤتَى أحد مِن مخالفيكم مثلَ ما أوتيتم، ولا تبوحون لهم بما يحتجّون به عليكم عند ربّكم.
فتضمّنت أقوالهم: تزكية أنفسهم، وأنّهم على الهدى، فردّ الله عليهم بقوله: قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ(آل عمران:73) بطريق الاعتراض، وهو ما بعثَ به محمّداً رسولَه -صلّى الله عليه وسلّم-، وأنّ الفضل بيده تعالى، يؤتيه مَن يشاء، وأنّه -سبحانه- واسعُ الفضل والعطاء، وهو العليمُ بمواضع فضله، يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(آل عمران:74)
ويشبه ما ذُكر في هذه الآيات -مِن مكر اليهود بالمؤمنين، وتحذير بعضهم بعضًا- أن يطمئنوا إلى غير أهل ملّتهم، فلا يُحدّثون المؤمنين بما يكونُ حجةً لهم عليهم، يشبه ذلك ما ذُكِر في قوله تعالى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(البقرة:76) حرر في: 1434/3/27 هـ
أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك