الرئيسية/المقالات/تهنئة اتحاد علماء المسلمين لفرنسيس برئاسته في دينه منكر

تهنئة اتحاد علماء المسلمين لفرنسيس برئاسته في دينه منكر

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ

تهنئة اتحاد علماء المسلمين "لفرنسيس" برئاسته في دينه منكر
 

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحمدُ لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمّا بعد:
فإنَّ مِن المعلوم بالضّرورة عند جميع علماء الإسلام أنَّ محمدًا -صلّى الله عليه وسلّم- رسول الله إلى جميع الناس، بل إلى الثَّقَلين: الجنِّ والإنس، فلا يسعُ أحدًا الخروج عن شريعته، ويجبُ على جميع الناس الإيمانُ به واتّباعه، فمَن اعتقد أنَّ اليهود والنّصارى لا يجب عليهم الإيمان، أو لا يجب عليهم إتباعه، أو أنَّ أحدًا مِن النّاس يسعه الخروجُ عن دين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا -صلّى الله عليه وسلّم- فهو كافرٌ بالله العظيم، وإن كان مسلمًا صار مُرتدًا، ومَن مات على هذا الاعتقاد كان مِن أصحاب النَّار.
قال الله تعالى: }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا{[الأعراف:158]
وقال: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا{[سبأ:28]
وقال: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ{[الأنبياء:107]
وقال: }تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا{[الفرقان:1]
وقال تعالى: }قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{[آل عمران:64]
وقال تعالى: }يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا{[النساء:171]
وقال في اليهود: }وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين{[البقرة:89]
وقال: }وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{[البقرة:101]
وحكم سبحانه على اليهود والنصارى بالكفر والخلودِ في النَّار فقال: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ{[البينة:6]
وقال: }لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ*لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{[المائدة:٧٢- 73]
وقال في اليهود: }فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ{[البقرة:90]
ونهى سبحانه عن تَوَلِّي اليهودِ والنصارى وسائر الكفرة فقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{[المائدة:51]
وقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{[المائدة:57]
 
فاليهودُ والنّصارى كُلُّهم كفارٌ منذ بعث الله محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم- والدِّين الذي هم عليه باطلٌ، لأنّه: إمّا مبدّل، أو مبتدع، أو منسوخٌ، وما بقي معهم مِن الحقّ لا ينفعهم، وقد أغنانا الله عنه بما جاء به محمدٌ -صلّى الله عليه وسلّم- مِن الهُدى ودين الحقِّ.
ويدلّ لِمَا تقدّم مِن السُنَّة قولُه -صلّى الله عليه وسلّم-: (كانَ النَّبي يُبعثُ إلى قومه خاصةً وبُعِثتُ إلى النَّاس عامةً)، وقال: (والذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه لا يسمعُ بي أحدٌ مِن هذه الأمّة يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرْسِلْتُ به إلاَّ كان مِنْ أصحاب النَّار).
ومن المعلوم المتواتر أنَّ النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- بَعَثَ كُتُبَه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، ومِن ذلك: كتابه إلى كسرى، وكتابه إلى قيصر، وكتابه إلى النجاشي وغيرهم، وأنّه قاتل اليهود والنصارى، وضرب عليهم الجزيةَ، وعلى المجوسِ، ومضى على ذلك خلفاؤه الرّاشدون، وملوكُ المسلمين المجاهدون، وقد فرض الله ذلك في كتابه حيث قال: }قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ{[التوبة: 29]

والمُوِجِبُ لذكر ما تقدّم: ما شاع في هذا العصر؛ من اعتقاداتٍ تناقض أصلَ الإيمانِ بعموم رسالة محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- عند بعض جَهَلَةِ المسلمين والمنافقين، وما نشأ عن ذلك من مُداهنِة اليهود والنصارى وغيرِهم من الكافرين، بإطلاق احترامِ الأديان، والاحترازِ من إطلاق اسم "الكفر" عليهم، والدَّعوةِ إلى الصداقة والتَّقْرِيبِ والحوارِ بين الأديان في غير التوحيد وأصلِ الدين!
ومِن المداهنةِ التي أوجبها التأويل: ما صَدَر من بيانٍ عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يتضمن: تهنئة "فرنسيس الأول" باختياره بابا للكنيسة الكاثوليكية بالفاتيكان؛ وهذا مَنْصِبٌ في دين باطلٍ، التهنئةُ به تُشعر بالاعتراف والرضا به، ومعلومٌ أنّ هذا المنصب يدلُّ على رُسوخه في دينِه، وشِدَّةِ تمسكه به، فكيف يسوغ للمسلم أن يهنئ الكافر بإمامتِه في الكفر! ولو كانت التهنِئة بمنصب سياسيٍّ: لكان أهون.
وقد اتّضح أنَّ مقصودَ البيان مع التهنئة الدعوةُ إلى التعاون بين أصحاب البيان والفاتيكان وممثلي الأديان على تحقيق ما يُسمى بالمبادئ المشتركة، التي عُبِّر عنها في البيان: بقيم الإيمان والتّسامح، والتّعاون على البِرِّ والتّقوى، وتحقيق الأمن والسّلام النّفسي، بل الاجتماعي والإنساني، والقيمِ الأخلاقيّة في المجالات الإنسانيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة.
وفي هذا مِن الإجمال والتلبيس ما يُوهم مَن لا بَصيرة له، أنَّ لدى النّصارى إيمانٌ وبرّ وتقوى ينفعهم عند الله! كما يُوهم أنّ لدى النّصارى مِن الأخلاق المرضيَّة في المجالات الإنسانيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، ما يحتاج المسلمون إلى التعاون معهم فيه!، وقد علمَ أصحابُ البيان وغيرهم أنَّ سياسة هؤلاء قائمةٌ على فصل الدّين عن الدولة، فلا شأن لهذا المخاطب بهذا البيان، في هذه المجالات، ولا أثر له فيها، فذلك كلُّه إلى أصحاب السّياسة، فكيف يُرتجى ممن لا يَملِك شيئًا أن يقف في وجه الظّلم، وكيف يُرتجى ممن انحرف فهمه في السّياسة أن يُقيم قيمًا أخلاقيةً مرضيةً فيها!؟ وكيف يُرتجى كذلك ممن هو خصمٌ للمسلمين في دينهم أن ينتصر للمظلومين المسلمين مِن ظلم ساسة أهلِ مِلَّتِه، وهواه معهم!؟

ومِن المعاني التي خصها البيان بالذّكر: الدّعوةُ إلى التّعاون في ترسيخ التّسامح والسّلام، ودعوا الله للمُهَنَّأ بالتّوفيق للتأثير في ذلك، ولا ريب أنَّ دين الإسلام دينُ التّسامح والعدل والإحسان، لكنّه ليس التّسامح الذي يدعو إليه الفاتيكان وقانون الأمم المتَّحِدة، فإنّهم يُدخلون فيه: مطالبة المسلمين بترك البراءةِ من الكافرين وإبداء العداوة لهم، وترك الجهاد في سبيل الله، يدعون إلى هذا السّلام بينما هم يُشعلون الحروبَ في بلدان المسلمين، ويتذرّعون إلى ذلك بشتَّى السُّبُل.
ومِن أسوأ ما ورد في البيان: الجمعُ بين اليهوديّة والنّصرانيَّةِ والإسلام، وإطلاقُ اسم الدّيانات السّماويّة عليها، ولا ريب أن ما جاء به موسى وعيسى ومحمدٌ -صلّى الله عليهم وسلّم- مِن كتب الله -التّوراةِ والإنجيل والقرآن- منزلةٌ مِن عند الله، فيصحّ أن يُعبّر عنها بأنَّها كتب سماويّة، وشرائع سماوية؛ بمعنى أنّها أُنزلت مِن لدن العليّ الذي في السّماء -سبحانه وتعالى-.
أمَّا مَا يدينُ به اليهود والنصارى -اليوم- فلا يصحّ أن يطلق عليه أنَّه مِن عند الله، فيعبر عنه بأنه دِينٌ سماوي، وهذا كذلك يُوهم َمن لا بصيرة له أنَّ أصحاب البيان يصححون دين اليهود والنصارى، ونحن نعلم أنّ أصحاب البيان لا يصححون دين اليهوديّة والنّصرانية، ونُعيذهم بالله مِن ذلك، لكن مما يُؤكد خطر هذا الإجمال في التّعبير عن اليهوديّة والنّصرانيّة بأنّها أديان سماويّة: ما شاع في هذا العصر مِن الدعوة إلى التَّقريب بين الأديان أو الوحدة بينها، وذلك بإقرار اليهوديّة والنّصرانيّة طريقين إلى الله كالإسلام، حتى دعا بعضهم إلى طبع القرآن مع التوراة والإنجيل التي في أيدي اليهود والنصارى! وبناء مسجدٍ إلى جوار معبد يشرك فيه بالله تعالى.
والواجبُ على أهل العلم فيما يكتبونه: الوضوحُ والبعد عن الإجمال المفضي إلى اللَّبس لدى كثيرٍ مِن الناس، وأن يكون بيانُهم بيانًا لا لبس فيه ولا إجمالًا.
وبعد كتابة هذا البيان وقفتُ على ما صدر مِن اتحاد علماء المسلمين مِن استجداء لبندكتوس السادس عشر ليعتذر عمّا صدر عنه مِن تنقّص للنبي -صلّى الله عليه وسلم-! وعمّا فعله الصليبيون بالمسلمين في الأندلس! وماذا يجدي اعتذاره؟ وما حاجة المسلمين له!؟
ووقفتُ كذلك على ما صدر عنهم مِن تهنئة لتواضروس رئيس الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسية، وفي ذلك ما في تهنئة فرنسيس الأول، ولا أطيل بالوقوف مع ما تضمّنه هذان البينان مِن التّذلل والتَّعطف لِمَن هم في الحقيقة أعداء لنا بحكم الله تعالى، ومواقفهم شاهدة عليهم بخلاف ما يظهرون: }يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ{[التوبة:8]، }أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا{[النساء:44-45]
ووفق الله الجميع لقولِ الحقِّ والعملِ به، ونسأله تعالى أن ينصر دينَه ويُعلي كلمتَه ويَكبِت عدوَّه إنَّه تعالى سميع الدعاء، وصلّى الله وسلّم وبارك على نبينا محمّدٍ. حرر في: 1434/5/18هـ

 أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك