الرئيسية/فتاوى/نصيحة وتوجيه في مسألة الإعجاب بأموال الكفار وأولادهم
share

نصيحة وتوجيه في مسألة الإعجاب بأموال الكفار وأولادهم

السؤال :

كيفَ يبلغُ المرءُ منزلةَ عدم الإعجابِ بأموالِ الكفَّارِ وأولادهم مع الانفتاحِ الذي نعيشُه ؟

الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على مَن لا نبي بعده؛ أمَّا بعد :

فإنَّ منزلة عدم الإعجاب بأموال الكفَّار وأولادهم وحضارتهم يسيرةٌ ميسَّرة على مَن يسَّرها الله عليه، وكلّ مَن فكَّر في الدّنيا وعقلَ حقارتها، وأنَّها فانية لا بقاء لها، وفكَّر في حال أهلها، وما ينالهم مِن الهمومِ والحسرات عليها، لم يُعجب بأموال الكفار وأولادهم، ولا سيما إذا علمَ أنَّهم معذَّبون بها في الدُّنيا والآخرة، وأنَّهم مفارقون لها، مع شدَّة تعلُّقهم بها، وشدَّة ما يصيبهم بسببها، فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:55]، وقال سبحانه: ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:3]، وقال عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ [محمد:12]، وقال: لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:196-197].

وكلُّ مسلمٍ -ولله الحمد- عقَلَ عن الله بيانه في حقيقة الدنيا وفي حقيقة ما عليه الكفّار مِن الشَّقاء في هذه الحياة فإنَّه لا يعجب بهم؛ لأنَّه يعلم أنَّ ما أعطاهم الله مِن هذه الحظوظ ابتلاءٌ واستدراج، وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [آل عمران:178]، وقال سبحانه: فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ [القلم:44]، وقال تعالى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ [المؤمنون:55-56].

فالمسلمُ إذا استحضرَ هذه المعاني في هذه الآيات؛ فإنَّه يشكرُ الله على ما أنعمَ عليه مِن نعمة الإسلام التي لا يعدِلُها شيء مِن الحظوظ العاجلة؛ لأنَّها سببُ السَّعادة في الدنيا والآخرة، وينظرُ إلى هذه الأمم وما متعوا به بعين الاحتقار لهم؛ لكفرهم بالله، وغفلتهم عن آياته، وإقبالهم على الشَّهوات، وانغماسهم في ذلك، ولذا شبههم الله بالأنعام، فإنَّهم لا يعرفون ربَّهم، ولا يعرفون مبدأً ولا معادًا، إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يونس:7-8]، فأيُّ شيء -بعد ذلك- يدعو إلى الإعجاب بأموال الكفار وأولادهم، وهذه حقيقة أمرهم في الدنيا والآخرة؟!

هذا؛ وإني أقول: إنَّ ما وقعَ فيه كثيرٌ مِن المسلمين مِن الإعجاب بالكفار وحضارتهم، ناشئ عن جهلهم وغفلتهم عن تدبّر القرآن العظيم الذي هو مصدر الهدى والفلاح، عياذًا بالله مِن الخذلان، فينبغي لكلّ مسلم أن يغتبطَ بنعمة الإسلام، وأن يعتزَّ بهذا الدين، ويشكر الله أنَّه أن هداه إليه وحبَّبه إليه، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، قال تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:7-8]، وقال: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17]، فالحمدُ لله على نعمة الإسلام، ونسألُ الله للأخت السَّائلة أن ينوَّر قلبَها بالإيمان، ويشرح صدرها بالقرآن، وأن يعصمنا وإيَّاها مِن أسباب الضَّلال والشَّقاء، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123]، والله أعلم.

أملاه :

عبد الرَّحمن بن ناصر البرَّاك

لثلاث بقين من شوال 1436هـ