الرئيسية/فتاوى/تقدير الأبعاد بين الأرض والسماء بالسنين الضوئية
share

تقدير الأبعاد بين الأرض والسماء بالسنين الضوئية

السؤال :

وردَ في الحديث تقديرُ للمسافة بين الأرض والعرش، هل يصحُّ الحديثُ في هذا المعنى؟ وهل هو مخالفٌ لِمَا يذكره الفلكيون مِن أن بُعدَ بعض المجرَّات وبعض النّجوم يصل إلى ملايين السنوات الضوئيَّة؟ وهل السَّماء المذكورة في النصوص بناءٌ صلبٌ أو هي مجرَّد هواء ودخان؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد :

فإنَّ الله أخبر عن خلقه للسماوات والأرض في ستة أيام إجمالًا، قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، ثم فصَّل ذلك في سورة “حم، السَّجدة”، فأخبرَ أنَّه خلقَ الأرض في يومين، وجعل لها رواسي، وقدَّر فيها أقواتها في يومين، فكانَ خلقُ الأرض وما عليها وما فيها في أربعة أيام، قال تعالى: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِين [فصلت:10].

وأخبرَ سبحانه أنَّه استوى إلى السَّماء -أي قصد- وهي دخان، وأنَّه سوَّى السَّموات سبعًا في يومين، قال تعالى: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا [فصلت:12]، وقال سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29]، وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12].

ووَصَف السَّموات بأنَّها طرائقٌ وطباقٌ، أي: بعضها فوق بعض، وأنَّها شداد، قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ [المؤمنون:17]، وقال: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا [الملك:3]، وقال: وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا [النبأ:12]، وأخبرَ سبحانه وتعالى أنَّ السَّماء سقفٌ مرفوعٌ ومحفوظٌ، فقال تعالى: وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [الطور:5]، وقال: وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا[الأنبياء:32].

وكلُّ هذا إخبارٌ عن ماضيها وحاضرها، وكذلك أخبرَ الله عمَّا يحدثُ لها يوم القيامة مِن الطَيِّ والانشقاق والانفطار والكَشْط، وأنَّها تُفرج، وأنَّها تصير واهية بعد الشِّدَّة، حتى تكون كالـمُهل في سواده ورخاوته، وهو حُثالة الزَّيت المذاب، قال تعالى: إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ [الانشقاق:1]، وقال: إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ [الانفطار:1]، وقال سبحانه: وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ [التكوير:11]، وقال عزَّ وجلَّ: وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ [المرسلات:9]، وقال: وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ [الحاقة:16]، وقال عزَّ اسمه: يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ [المعارج:8]، وقال: فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن:37].

وظاهرُ هذه الآيات أنَّ السَّموات أجرامٌ صُلبة، كما يدلُّ له لفظ الشدَّة سَبْعًا شِدَادًا، ولفظ الانفطار والانشقاق، وكذا وصْفُها بأنَّها سُقف، وأنَّها مبنيَّة فوقنا، وهذا يدلُّ على أنَّ الفضاء الذي فوقنا -وهو ما بين السَّماء والأرض- ينتهي إلى السَّماء الدنيا، وهي السَّماء التي تلينا، وهي الأولى، ويسمي بعض العلماء السَّموات بالأفلاك؛ لأنَّها مستديرة، قال ابن تيمية -رحمه الله- في “العقيدة التدمريَّة” في الكلام على قوله تعالى: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء: “فإن قُدِّر أن المراد بالسَّماء الأفلاك كان المعنى: أنَّه سبحانه عليها، فـ “في” بمعنى “على”، كقوله تعالى عن فرعون: وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71]، وقوله تعالى: فَسِيرُواْ فِي الأَرْض“أهـ.

وقد دلَّت سنة الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- على نحو ما دلَّ عليه القرآن في عدد السَّموات، وأنَّ لها عُمَّارا، وهم الملائكة، وأنَّ الجنة في السماء، وأن الملائكة تنزلُ مِن السَّماء إلى الأرض، وتعرج إليها، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكم مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وملائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيجْتَمِعُونَ في صَلاةِ الصُّبْحِ وصلاةِ العصْرِ، ثُمَّ يعْرُجُ الَّذِينَ باتُوا فِيكم) الحديث. وكما يدلُّ لذلك أحاديث الإسراء والمعراج، وفيها أنَّ جبريل -عليه السلام- استفتحَ كلَّ سماء، وتجاوزها بالنَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- سماءً بعد سماء، حتى بلغ السابعة.

وقد أخبرَ سبحانه وتعالى أنَّه استوى على العرش بعد خلقه السَّموات والأرض، أي: علا عليه وارتفع فوقه، واتَّفق أهلُ السُّنَّة على إثبات العرش، وأنَّه أكبر المخلوقات وأعلى المخلوقات، وقد تمدَّح الله بربوبيَّته للعرش، ووصف العرش بأنَّه عظيم وكريم ومجيد، فقال: وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، على قراءة جر “المجيد”، وأضافه إلى نفسه فقال: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ[الحاقة:17]، وأخبر أن له حمَلَةً فقال: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ[غافر:7] وأخبر سبحانه في سورة “ألم” السَّجدة أنَّه يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5].

وأخبرَ في سورة “المعارج” أنَّ الملائكة والرّوح تعرج إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ففهم بعضُ العلماء من الآيتين أن سورة “السَّجدة” فيها بيان بُعْدِ ما بين السَّماء والأرض، وآية المعارج في بيان بُعْد ما بين الأرض إلى العرش، فقالوا: إنَّ بُعْد ما بين السَّماء والأرض خمسمئة عام، وكذا ما بين كل سماء وسماء، وكِثَف كل سماء خمس مئة عام، وفوق السماء السابعة بحرٌ بين أعلاه وأسفله خمسمئة عام، والعرشُ فوق الماء، والله فوق العرش، وأخذوا هذا التَّفصيل مِن الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ قَالَ: قُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَمِنْ كُلِّ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَكِثَفُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاللهُ فَوْقَ ذَلِكَ، لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ شيءٌ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ). ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.

والحديثُ -وإن ضعَّفه بعضُ أهل العلم- فلا يلزمُ مِن ذلك بطلانُ معناه، لكن يمنع مِن القطع بمعناه، هذا أهمّ ما ورد في الكتاب والسُّنَّة مما يتعلق بالأبعاد التي بين السَّموات وبين السماء والأرض.

إذا ثبتَ ما تقدَّم فأقول: إنَّ ما ذكره علماءُ الفلك أو الهيئة الحديثة في الأمم الكافرة، والمقلدون لهم من المسلمين ما ذكروه من الأبعاد بين الأرض والأجرام العلويَّة من الكواكب، وما يسمونه المجموعة الشمسيَّة والمجرَّات، وتقديرهم هذه المسافات بالسنين الضوئيَّة، أقول: إن ما ذكروه من ذلك مناقضٌ لظاهر الكتاب والسُّنَّة ومتعقدُ أهل السُّنَّة وغيرهم من فرق الأمة، وبيان هذا: أنَّ قول أصحاب الهيئة من علماء الفلك يقتضي أن ليس هناك سماءٌ ينتهي إليها الصَّاعدُ مِن الأرض، فضلا عن سماوات سبع طباق، وهذا مناقضٌ لصريح نصوص الكتاب والسُّنَّة ومعتقد المسلمين. 

يوضحُ ذلك أنَّهم يقدِّرون الأبعاد التي بين الأجرام العلويَّة “الكواكب” والبعد الذي بيننا وبينها بسير الضوء، ثم يقدِّرون ما بيننا وبين بعضها بسنين ضوئيَّة، بل عشرات السنين، بل مئات، وربما زعموا آلاف سنين ضوئية، وهذا معناه أنَّ هذا الفضاء لا نهاية له، لذلك لا يذكرون سماء ذات جسم مستدير كُرِيٍّ قابل للانفطار والانشقاق والطيِّ، أو السقوط والوقوع على الأرض، كما وصفها الله -خالقها- بذلك، وقد تقدَّم ذكر الآيات الدَّالة على إثبات السَّموات وصفتها وابتداء خلقها، وما يحصل لها مِن التَّغيير يوم القيامة، وعليه؛ فلا يجوزُ للمسلم أن يصدّق كلام هؤلاء الفلكيين الكفرة الذين لا يؤمنون بالله ولا بمبدأ ولا معاد، وأما مَن يقول بقولهم مِن المسلمين: فهم مقلدون أتباع، لم يقم عندهم على ما صدَّقوا به برهان.

ومما تعظمُ به المصيبة أنَّ هذا العلم -علم الهيئة- المتعلّق بالكواكب ومقاديرها وأبعادها وأبعاد ما بينها يُدرَّس في مراحل التَّعليم في بلاد المسلمين عامة، مما يزرع في قلوب النَّاشئة الشَّك والحيرة؛ لأن ما يذكرونه في هذا الشأن من النظريات يتجاوز الخيال، ونظير هذا ما يذكرونه في خلق الأرض، وما يقدرونه في ذلك من ملايين السنين، وكل هذا مبنيٌّ على الخرص والاعتماد على وسائل تجريبية لا تفيد من الدلالات اليقينية ولا عشر معشار ما يزعمونه من التقادير.

وما ذكرته هو نزرٌ يسير بجانب ما ذكره هؤلاء الكفرة الملحدون الذين أوجب لهم كفرهم وجهلهم وغروهم أن يتفوَّهوا بهذا الدعاوى التي لا يمكن أن يقوم عليها برهان، وشواهد هذا كثيرةٌ مما نقل عنهم، فمِن ذلك ما نُشِرَ في المواقع الشبكية عن وكالة الفضاء الأوربية (إيسا) “أنها في عام 1987م أثبتت أن عمر المجرة يتراوح بين 7 – 8 آلاف مليون سنة، وعمر الشمس 4600 مليون سنة، وعمر الكواكب بعد هذا التاريخ بنحو 50 مليون سنة، أي منذ 4550 مليون سنة” انتهى.

 وجاء في ما يسمى على الشبكة “ويكيبيديا، الموسوعة الحرة” عن الشمس ما هذا نصه: “يبعد مدار الشَّمس المجرِّي عن مركز المجرَّة على بعد تقريبي يتراوح ما بين 24,000–26,000 سنة ضوئية، تكمل الشمس مدارها المجرِّي أو السنة المجرِّية كما يظهر من القطب المجرِّي الشمالي في حوالي 225–250 مليون سنة” انتهى.

 وجاء أيضا في “ويكيبيديا، الموسوعة الحرة” عن درب التبَّانة ما هذا نصه: “دربُ التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني: هي مجرة حلزونية الشكل، تحوي ما بين 200 إلى 400 مليار نجم ومن ضمنها الشمس، ويبلغ عرضها حوالي 100 ألف سنة ضوئية، وسمكها حوالي ألف سنة ضوئية، ونحن نعيش على حافة تلك المجرة ضمن مجموعتنا الشمسية، والتي تبعد نحو ثلثي المسافة عن مركز المجرة” انتهى.

فتدبَّر ذلك -أيُّها المسلم العاقل- وإنك لن تستطيع تصور هذه الأرقام، ولابدَّ أن تقطع بأن هذه الدعاوى العريضة بعيدةٌ كلَّ البعد عن ظاهر ما أخبرت به الرُّسلُ مما يتعلق ببدء خلق هذا العالم، فإنَّ هذا العالم في علم الرُّسل مخلوق محدَث، أي بعد أن لم يكن، أما عند هؤلاء الملاحدة فإنه قديم، كما هو مذهب فلاسفة اليونان، فإنَّ هذا الكون لا بداية له عندهم، لكن ملاحدة هذا العصر يدعون له بداية ليس لهم فيها مستند إلا الفرض والخيال، وهو ما يعبرون عنه بالانفجار العظيم، كما ورد في موقع ما يسمى ويكبيديا -الموسوعة الحرة- حيث جاء فيها ما هذا نصه: “في علم الكون الفيزيائي: الانفجار العظيم (بالإنجليزية: Big Bang) هو النظرية السائدة حول نشأة الكون … بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة [أي لحظة الانفجار] قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعتبر عمر الكون” أهـ.

 فيا أيُّها المسلم، قل عند سماعك لهذه الأرقام: آمنت بالله ورسله، وما جاءت به رسله عليهم الصَّلاة والسَّلام، وقل: يا مُقلِّبَ القلوب ثَبِّتْ قلبي على دينكَ، ولا تكن ممن يحسنون ظنًّا بهؤلاء الكفرة وبعلومهم، ويزعمون أن هذه العلوم تزيد المؤمن إيمانًا، وما رأينا لهذا الزَّعم حقيقة في الواقع، فنعوذُ بالله مِن مضلَّات الفتن ما ظهرَ منها وما بطن، والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أملاه :

عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك

في 26 صفر 1436هـ