الرئيسية/فتاوى/الجمع بين آيتي: ويقتلون النبيين وإنا لننصر رسلنا
share

الجمع بين آيتي: ويقتلون النبيين وإنا لننصر رسلنا

السؤال :

كيف نجمع بين قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ} وقوله: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا}؟

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
فقد أخبر الله عن بني إسرائيل ذامًّا لهم بقتل النّبيين والرّسل بغير حق، فقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [آل عمران:112] وقال: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [البقرة:87] والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلُّ هذه الآيات في بني إسرائيل، وهم اليهود المنتسبون إلى شريعة التوراة.
وأنبياء بني إسرائيل يذكرهم الله تعالى تارة بصفة النبوّة، وتارة بصفة الرّسالة بمعناها العام، فإن الإرسال الشّرعي مِن الله يأتي عامًا وخاصًا، فالعام يشمل الأنبياء، فيكونون أنبياء ورسلًا، ويأتي خاصًا بالرسل بالمعنى الخاص، وهم الذين أرسلوا إلى كفار مكذبين: كقوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وأصحاب مدين، فهؤلاء الرسل لم يُقتل أحد منهم، وإن همَّت أممهم بذلك، كما قال تعالى: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ [غافر:5].
وهؤلاء الرسل -أي بالمعنى الخاص- أخبر الله عن نصره لهم إخبارًا مجمَلًا ومفصَّلًا، فقال تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110]، وقال: ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ [الأنبياء:9]
وأخبر عن نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، بأنّ الله نجّاهم مِن العذاب الذي عُذِّب به أقوامهم، وهذا النّصر هو المذكور في قوله: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا، وقوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، ومَن فاته النصر في الدنيا: كمَن قُتل مِن رسل بني إسرائيل؛ فنصره مدَّخر له يوم القيامة، إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر: 51]

وقد يكون نصر الرّسل في الدنيا نصرًا لأتباعهم بعد موت الرّسل أو قتلهم، وقد أوجب الله ذلك على نفسه فقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47]، وأقسم على ذلك فقال سبحانه: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40-41]، والله أعلم.

أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك
في 16 جمادى الآخرة 1438هـ