الحمد لله، وصلى الله وسلم على محمد، أما بعد:
فإن كتاب "مدارج السالكين" من مصنَّفات إمام من أئمة أهل السنة وعلَم من أعلامهم، وهو شرح لكتاب "منازل السائرين" لأحد شيوخ الصوفية القدماء، المتوسطين في التصوف، وهو أبو إسماعيل الهروي، والقيمة الكبرى لـ"مدارج السالكين" أن مؤلِّفَه قصد فيه شرح مقاصد "منازل السائرين"، وقد أبدع في شرح كلام الهروي؛ لأن ابن القيم خبيرٌ بالقوم، أي: بالصوفية، وزيَّن ابنُ القيم هذا الشرح باستدراكات وتعقبات كثيرة على صاحب "المنازل"، وأنكر كثيرًا من مصطلحات الصوفية، وتكلَّم فيهم بالعدل، كما قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا[الأنعام:152]، فأحقَّ الحقَّ وأبطلَ الباطل من كلام صاحب "المنازل"، هذا ولصاحب "المنازل" عند ابن القيم منزلة عالية، حتى إنه يلقبه شيخ الإسلام، ولم يمنعه ذلك من بيان ما أخطأ فيه، حتى إنه قال: "شيخ الإسلام حبيبُنا، ولكن الحقَّ أحبُّ إلينا منه". [1]
وبعد فما نقلتيه –أيتها الأخت– من درجات الخوف ليس كلامًا لابن القيم، بل هو كلام صاحب "المنازل"، [2] وبعد مراجعة شرح ابن القيم له لم نره اعترض عليه في هذا الموضع في موضوع الخوف، [3] فما ذكرتِ عن بعضهم من انتقادٍ إنما يتوجَّه إلى الهروي، وليتكِ ذكرتِ هذا الانتقاد؛ لنعرفَ وجهَه ووجاهتَه، أو خلافَ ذلك، ولم يظهر لي في كلام الهروي ما يُشكِل، وتقسيم الخوف إلى ثلاث درجات لا إشكال فيه؛ فإن المعاني تتنوع في ذاتها قوة وضعفًا، وتتنوع باعتبار متعلَّقها، ومن ذلك الخوف؛ فمنه الخوف الطبيعيُّ، ومنه الخوف الشرعيُّ الذي هو من مقامات الدين ومن خصال الإيمان، وهو يتنوع باعتبار ذاته قوةً وضعفًا، وباعتبار متعلَّقه؛ فمنه خوف العقاب، كما ذكر الهرويُّ في الدرجة الأولى، ومنه خوف الله إجلالًا وهيبة، كما ذكر الهرويُّ في الدرجة الثالثة، ومن هذا النوع خوف الملائكة ربَّهم، قال تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50]، ومنه خوف الأنبياء في قوله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المؤمنون:57].
هذا ويحسن الرجوع إلى كلام ابن القيم في شرح كلام الهرويِّ، وأما كلام ابن جُزي فلنا تعليقٌ عليه بحاشية تفسيره الذي نُشر بتحقيق الدكتور علي بن حمد الصالحي، طبع دار طيبة الخضراء، الطبعة الثانية، فليرجع إليه. [4]
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 26 شعبان 1443 هـ