الرئيسية/فتاوى/حكم صيام شهر شعبان كاملا
share

حكم صيام شهر شعبان كاملا

السؤال :

مَن يصوم يومًا ويفطر يومًا، هل يُشرع له صيامُ شهرِ شعبان كاملًا، وهل ورد الحثُّ على العمل الصَّالح في شعبان ؟

الحمدُ لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على مَن لا نبي بعده، أمَّا بعد:
فقد ثبتَ في الصَّحيحين وغيرهما أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:
(إنَّ أحبَّ الصّيامِ إلى الله صيامُ داود، كانَ يصومُ يومًا، ويفطرُ يومًا) [1] ، كما ثبتَ عنه -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال لعبد الله بن عمرو: (صم يومًا وأفطر يومًا)، قال عبد الله: "إني أطيق أفضل مِن ذلك"، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: (لا أفضل مِن ذلك) [2] . وثبت عنه -صلّى الله عليه وسلَّم- أنَّه كان يصوم شعبان، وأنَّه ما كان يصوم مِن شهر أكثرَ مما يصوم من شعبان [3] .  
وقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
(إنَّ أحبَّ الصّيامِ إلى الله صيامُ داود) وقولُه: (لا أفضل مِن ذلك) ليس فيه تعرُّضٌ للفضائل الخاصة لبعض الأيام والشهور، كالإثنين والخميس والمحرَّم وصيام شعبان، ويمكن الجمع بين هذه الفضائل الخاصة وأفضل الصّيام بأن يفطر بعدد ما صامه زائدًا على أفضل الصيام، فمثلًا إذا صام الأحد والإثنين فيفطر الثلاثاء والأربعاء، وإن صام الأربعاء والخميس أفطر الجمعة والسبت، وإن صام الشَّهر المحرَّم أفطر الشَّهر الذي بعده، وإن صام شعبان أفطر شوال؛ لأن قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (أفضلُ الصّيامِ صومُ يومٍ وفطرُ يومٍ)، حقيقتُه صيام نصف الزَّمان، فبأيِّ طريقة صام نصف الزَّمان أصاب الفضيلة.
وقد كان النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يصوم أيامًا كثيرةً حتى يقول القائل: لا يفطر، ويفطر أيامًا كثيرةً حتى يقول القائل: لا يصوم
[4] ، ولعلَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- بذلك الفعل يتحرَّى ما يوافق صيام داود.
وعُلِمَ مما تقدَّم: اختصاصُ فضل شعبان بعبادة الصّيام مِن بين سائر الأعمال مِن صلاة وصدقة وغير ذلك، كما يدلّ لذلك صيامه -صلى الله عليه وسلم- لشعبان، ولقوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما- لما قال: لم أرك تصومُ مِن شهر من الشّهور ما تصومُ مِن شعبانَ، قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
(ذاك شهرٌ يغفُلُ عنه الناسُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، وأحبُّ أن يُرفَعَ عملي وأنا صائم) أخرجه أحمد والنسائي، وصححه الحافظ ابن حجر [5] .
وهذا الحديث في صوم شعبان كحديث أبي هريرة في صوم الإثنين والخميس أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:
(تُعرضُ الأعمالُ يومَ الإثنين والخميس، فأحبُّ أن يعرض عملي وأنا صائم)  ، ومعلوم أنَّه ليس للإثنين والخميس خصوصيَّة بأعمال أخرى غير الصيام.  
وأما ليلة النّصف مِن شعبان: فلم تصحّ الأحاديث الواردة في فضل قيامها
[6] ، أو أنَّها الليلة التي تُقدر فيها الأقدار، بل ذلك في ليلة القدر، والله أعلم.

أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البرّاك
حُرِّر في غرة شعبان 1435هـ
 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 أخرجه البخاري (1131) و(3420)، ومسلم (1159) من حديث عبد الله بن عمرو.
2 أخرجه البخاري (1976)، ومسلم (1159).
3 أخرجه البخاري (1969)، ومسلم (1156) من حديث أم المؤمنين عائشة.
4 تقدم من حديث أم المؤمنين عائشة.
5 أخرجه أحمد (21753)، والنسائي (2357) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن ثابت بن قيس، عن أبي سعيد المقبري، عن أسامة بن زيد، به. قال الألباني في "إرواء الغليل" (4/103): "وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير ثابت بن قيس قال النسائي: ليس به بأس، وقال أحمد: ثقة. وقال المنذري في "مختصر السنن" (3/320): وهو حديث حسن".
وأخرجه النسائي (2359) من طريق زيد بن الحباب، عن ثابت بن قيس، عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن أسامة بن زيد، به. بزيادة أبي هريرة. ولعل أبا سعيد سمعه منهما جميعًا، فالطريقان محفوظان، والله أعلم.
6 حديث قيام ليلة النصف من شعبان: ورد من حديث علي، وابن عمر، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وأنس بن مالك رضي الله عنهم، ومرسل محمد بن علي الباقر رحمه الله. وكلها أسانيدها واهية. ينظر: الموضوعات لابن الجوزي (2/127)، وتلخيص الموضوعات للذهبي (ص185)، والمغني عن الحفظ والكتاب لأبي حفص الموصلي (2/297)، والضعيفة للألباني (2/12) و(3/649) و(5/154) و(14/1099)